أكبر النار من مستصغر الشرر
'إن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، او عندما تصبح طريقة ممارستك لتلك الحرية خطرا على رفاه أو وجود الآخرين'!
سخر عدد من كتاب الصحافة العربية، والكويتية بالذات، من مشروع قانون منع لبس الحجاب الذي يزمع الرئيس الفرنسي جاك شيراك تقديمه الى برلمان بلاده، وتجاهل جميع اولئك المنتقدين حقيقة ان الحظر سيقتصر، في حال الموافقة على مشروع القانون، على طالبات المدارس الحكومية التي يقوم دافع الضرائب الفرنسي بدفع تكاليفها، وهو الذي يقرر بالتالي، من خلال ممثليه الشرعيين، اين تذهب امواله.
كما سخر عدد من اولئك الكتاب كذلك من علمانية فرنسا قائلين ان تلك العلمانية لم تنجح في منع الدولة من التدخل في حريات الناس وطريقة ممارستهم لطقوسهم الدينية(!!)ِ وتجاهل هؤلاء مرة اخرى ما اصبح يمثله لبس الحجاب، بفضل جهود مجموعة من القيادات الدينية المتعصبة، من تحد لعلمانية دولة سبق ان عرفت هذا الزي وتعايشت معه على مدى اكثر من مائة عام، سواء من خلال الاحتكاك بمرتديات الحجاب من مواطني المستعمرات الفرنسية السابقة، او من خلال التعايش مع من اختار منهم الهجرة الى فرنسا بعدها! ومن الغريب ان نجد ان من اصبح يتغنى بفضائل العلمانية، ويحاول التحصن بمبادئها، كان حتى الامس القريب، وربما لا يزال، من أشد معارضي العلمانية ومبادئها السامية! ان اصرار طالبات المدارس الحكومية الفرنسية على ارتداء الحجاب السياسي في مجتمع اوروبي منفتح دفع المنتمين للديانات الاخرى للاقتداء بهم سلبا وارتداء ما يميزهم، او 'يفرقهم'، عن الآخرين دينيا، سواء عن طريق تعليق صلبان كبيرة على صدورهم أو لبس قلنسوات على رؤوسهم، الامر الذي ادى الى قيام عملية فرز دينية لمجاميع الطلاب والطالبات في عدد كبير من المدارس الحكومية بحيث اصبح الامر يهدد بتفسخ النسيج الاجتماعي للمجتمع الفرنسيِ ولهذا لم يقتصر مشروع القانون على الحجاب، بل امتد ليشمل ممارسات كل اتباع الديانات السماوية الاخرى.
ان تقبل المجتمع الفرنسي بشكل عام للحجاب الاسلامي، مع التحفظ على التسمية، وقصر اعتراضه على مرتديات الحجاب داخل مدارس الدولة، ما هو الا دليل آخر على مدى ايمان افراد ذلك المجتمع بمبادئ الحرية والمساواة، وكان لا بد من قيام جهة ما بالتحرك قبل فوات الاوان للحفاظ على تلك المبادئ والمثل! وقد اخبرني دبلوماسي فرنسي ان ما يشغل الساسة والمشرعين في وطنه في حقيقة الامر ليس الحجاب بحد ذاته، بل لما اصبح يمثله من تحد 'متحجب'، لقوانين الدولة ونظمها، وتخوفهم مما سيتبع ذلك من ممارسات سلبية اخرىِ فقد يجد البعض ان ارتداء الحجاب الحالي ليس بكاف 'اسلاميا'، كما حدث مع الكثير من المجتمعات الاسلامية الاخرى، وان الامر يتطلب بالتالي التحول الى ممارسات اكثر تطرفا كلبس نقاب يظهر العينين فقط في المرحلة الاولى ثم يتبع بالنقاب الكامل، او الافغاني!.