لماذا وجد القضاء؟

الجواب ببساطة شديدة: للفصل في الخلافات التي من الممكن ان تقع بين مختلف اطراف المجتمع من شخصيات طبيعية او معنوية.
وعلى كل من يشعر بأنه أهين في شرفه او سمعته من قبل طرف او اطراف آخرين، او تسببت تصرفاتهم في خسارته، ماديا او معنويا، اللجوء للقضاءِ وعليه يمكن اعتبار كافة التصرفات الاخرى خلاف ذلك، او حل الخلاف بالتراضي، لغوا وتضييعا لوقت مسؤولي الدولة واثارة للغوغاء!!
نكتب ذلك بمناسبة ما اثير في الصحافة من ادعاءات تتعلق بخسارة بعض المواطنين لاستثماراتهم المالية مع بعض شركات الوساطةِ ففي الوقت الذي نتعاطف فيه مع هؤلاء المواطنين، الا اننا لا نزال نعتقد أن موضوع خلافهم مع هذه الشركات هو ساحة القضاء وليس مكاتب وزراء التجارة والعدل والداخلية ومسؤولي امن الدولة، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حل تلك الخلافات!
وعندما كتبنا نحذر من خطر بعض هذه الشركات وما تتبعه من اساليب مغرية للتعامل معها، لم نكن نهدف إلى إثارة مختلف اجهزة الدولة عليها بقدر حرصنا على تحذير المواطنين من مغبة الوقوع في حبائل البعض منها، فليس هناك من هو احرص على المال من صاحبه.
نعاود الكتابة في هذا الموضوع بمناسبة الهجوم المقذع الذي تعرضنا له من قبل السيد المحترم محمد يوسف المليفي، الموظف في وزارة العدل، والذي ورد في مقاله في 'السياسة' يوم الاحد 7/9، وذلك بسبب ما سبق ان ابديناه من وجهة نظر فيما يتعلق ب'ضحايا' شركات الوساطة، وضرورة لجوئهم إلى القضاء العادل لاخذ حقوقهم، حيث اعترض السيد محمد يوسف المليفي، الذي سبق ان ورد اسمه ضمن مجموعة من 'ضحايا' احدى الشركات، كما نشر في عدد 'السياسة' الصادر بتاريخ 30 اغسطس 2003، على رأينا، مفضلا حل المشكلة التي بينه وبين شركات الوساطة المالية عن طريق اللجوء إلى اجهزة الدولة التنفيذية ووسائل الضغط والقهر الحكومية، وليس القضاء كما يتطلب المنطق!
وذكر السيد المليفي في مقاله الاخير انه قام باستشارة 'كبار المحامين' الذين بينوا له أن ما سبق ان ذكرناه في مقالنا ينم عن 'تعالمنا الفج' الذي يسقطه ويلغيه الشرع والقانونِ وقال ان بنودا كثيرة في قانون الجزاء تسقط العقد وتبطله وتلغيه واستشهد بالمادة رقم 151 من قانون الجزاء (!)
لعلم السيد المحترم محمد يوسف المليفي، وكبار المحامين الذين قام باستشارتهم، فان المادة 151 المتعلقة بابطال العقود لا علاقة لها بقانون الجزاء، بل هي من مواد القانون المدني رقم 67/1980 وهناك فرق شاسع بين الاثنين!!
ولو اتفقنا على انه من الممكن ابطال اي عقد عند شعور احد اطرافه بأنه تم نتيجة تدليس او خداع، فإن المحاكم هي الجهة الوحيدة التي يجب اللجوء إليها، وليس النحيب على اكتاف وزراء التجارة والعدل والداخلية وتسيير التظاهرات إلى مكاتبهم ورفع الرايات امامهم، وتوجيه مختلف الاتهامات والاهانات لكل من لا يتفق مع مطالبات هؤلاء 'الضحايا'!!
سنترفع عن الرد على بقية الاتهامات التي قام السيد محمد يوسف المليفي بتوجيهها لنا وسرد الاوصاف التي نعتنا بها، والغمز واللمز في معتقدنا ومذهبنا، لمجرد اختلافنا في الرأي، حيث ان وقت القراء أثمن من ذلك، ولكن ربما يكون من المفيد الاشارة الى الفقرة التي ذكرها نقلا عن حديث الرسول ان تسعة اعشار الرزق في التجارة، حيث لا نعتقد أن هناك عاقلا يصدق أن تسليم مبلغ خمسين الف دينار لمن لا تعرف لكي يقوم باستثماره لك وانت مسترخ في الديوانية او نائم امام التلفزيون هو نوع من انواع التجارة! وان كان الامر كذلك فإننا، وبعد اكثر من اربعين عاما في عالم المال والاعمال، لم نسمع بهذا النوع الغريب من التجارة، والامر لا يعدو ان يكون مضاربة شرسة في اسواق الاسهم العالمية التي تحتمل الخسارة كما تحتمل الربح!!

الارشيف

Back to Top