المشكلة منا وفينا
استخرجت اول جواز سفر ذي غلاف اسود متين، ويحمل شعار الدولة القديم ذا 'العلمين'، عام 1954، وكان المرحوم فهد العسكر، المسؤول في دائرة الامن العام وقتها التي كانت تقع في الجهة الشرقية من قصر نايف، مقابل محلات قطع الغيار والسكراب القديمة في المرقاب، هو الذي قام، بتوصية من الوالد، بإصدار الجواز وتسليمه لي خلال نصف ساعة، بعد ان قام بلصق صورتي 'القمرية' عليه، وتدوين اسمي وبقية بيانات الجواز الاخرى من طول ولون عينين.
مر على ذلك التاريخ اكثر من 18 الف يوم، او نصف قرن، تغير فيها العالم رأسا على عقب، واكتسح الكمبيوتر كل مجال، وغيرت الافكار الحديثة جميع طرق العمل، ولكن بقيت عملية اصدار الجواز في الكويت كما هي، مع تقدم تكنولوجي بسيط لا يذكر.
اتصل بنا من يعز علينا ليخبرنا ان جواز سفره قد فقد منه، وانه قام بمراجعة ادارة الجوازات التي اخبرته ان عليه، بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية السابق ويحمل الرقم 1440 لسنة 2000، الانتظار خمسة اشهر من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية قبل ان يصدر جواز سفر جديد له! استغربت سماع ذلك حيث انه يخالف كل الاعراف المتبعة في دول العالمين: المتقدم والمتخلف، وفترة الانتظار لا تعني ابدا ان الجواز المفقود سيكون بعدها غير صالح او انه سيبلى ويأكله العت بعد خمسة اشهر، فخطر سوء استغلال الجواز المفقود سيبقى قائما الى ان تنتهي صلاحيته بعد خمس سنوات من تاريخ اصدارهِ ومن المعروف ان جميع الدول الغربية، ومن واقع تجربة شخصية شاهدتها، تقوم عادة بإصدار بدل فاقد خلال ساعات، وجواز السفر الكويتي، الذي فقد الكثير من أهميته بعد ان ساهم امثال 'ابو غيث' في وضعنا على لوائح الارهاب في العالم، ليس بأحسن من الجواز الاميركي او البريطاني مثلا، وان من الافضل على ادارة الجوازات اعطاء المواطن الخيار بين الانتظار خمسة اشهر او دفع غرامة مالية محددة تكون عالية بحيث تشكل عقابا لكل مهمل او مستهتر، خاصة اذا علمنا ان من الصعب ان لم يكن من المستحيل، وبناء على ما يدعيه موظفو الجوازات، تغيير بيانات الجواز الكويتي.
جمعت هذه الهموم والتساؤلات في ورقة واتصلت بمدير عام الادارة العامة للجوازات الشيخ محمد اليوسف الذي اتفق معي في كل ما ذكرته، ولكنه استدرك قائلا: ان المشكلة منا وفينا، وان الادارة قد تعبت وعانت الكثير من فئة كبيرة من المواطنين، الامر الذي دفعها في نهاية المطاف الى فرض فترة الاشهر الخمسةِ فقد حاولت الادارة في البداية فرض مبلغ 30 دينارا كرسم لبدل الفاقد، فتعالت عليهم اصوات نواب مناطق محددة بحيث جعلتهم يغيرون رأيهم، ولم تجد الادارة بعدها مناصا من تحديد فترة الاشهر الخمسة كعقاب لمن يفقد جواز سفره بعد ان اكتشفت ان هناك من 'المواطنين' من باع جواز سفره للغير، او تركه وراءه عند الفندق او مكتب الايجار دون دفع ايجار الغرفة او الشقة، ثم طالب ببدل عنه بعد عودته الى الكويتِ كما ان هناك من رهن جواز سفره مقابل مبلغ من المال، ومن اعترف بأن اهماله، وليس اي سبب اخر، هو الذي تسبب في فقد جوازهِ وقال مدير الجوازات، تعليقا على ما ذكرته عن مدى استعداد السفارات الاجنبية، والغربية بالذات، لاصدار بدل فاقد لمواطنيها، بان الادارة العامة للجوازات على استعداد لإصدار جواز سفر جديد خلال ساعة واحدة لكل من يفقد جوازه شريطة ان نتصرف كمواطنين سويسريين او كنديين.
لم اعلق كثيرا على ما ذكره واضطررت، وهي من المرات النادرة، الى ان اتفق معه في غالبية ما ذكر، وان اتفق معه ايضا على ان المشكلة في حقيقة الامر 'منا وفينا' وانني كنت سأتصرف مثل ما تصرف به كمسؤول عندما احاط بكل ذلك الكم من المحتالين والمهملين وضعاف النفوس من بائعي جوازات السفر والاوطان.
ملاحظة اخيرةِِ نرجو ان يضعها مدير عام الجوازات في اعتباره، والتي لم يسعفنا الوقت للتطرق اليها، والتي تتعلق بمشكلة تاريخ الميلاد الذي يعتبر من بيانات الجواز الاساسية حيث يقوم كمبيوتر الادارة، او من لقمه البرنامج بشكل اصح، بتغيير تواريخ الميلاد على جوازات السفر بالطريقة التي تحلو له، وفي ذلك تلاعب وخطورة كبيرة على حامله، ولا تقوم الادارة بإبلاغ المواطنين بذلك التغيير، وان انتبهوا له واصروا على تغيير الجواز تقوم الادارة بذلك بعد اجبارهم على دفع رسم اصدار جواز سفر جديد مرة اخرى.