المتر والكيلومتر
اكتسحت البرلمانات العربية، على الرغم من قلة عددها وعدم شرعية غالبيتها، ظاهرة غريبة ومثيرة للجدل تمثلت في إصرار 'نواب' من المنتمين لكتل أو اتجاهات اسلامية، على اضافة نصوص محددة للقسم الدستوري المطلوب من النائب القاؤه أمام رئيس الدولة والبرلمانِ وقد بدأ الأمر قبل سنوات عندما اضيفت البسملة، وتبعتها الحمدلة ثم الحوقلة للقسم، ولم يعترض على تلك الاضافات أحد كونها من الأمور المحمودةِ ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل قام أعضاء في جلسة افتتاح البرلمان الاردني، مثلا، باضافة فقرة كاملة للقسم تفيد بأن ولاءهم للملك مشروط بالتزامه بالشريعة الاسلامية وبعدم مخالفته لشرع الله، لأنه يعني من ناحية ان بإمكان أي نائب اضافة ما يريد للقسمِِ كما انه، من ناحية ثانية، يفتح باب الخلاف واسعا لأي تفسير يطرأ على بال أي نائب يتعلق بأي تصرف يراه غير اسلامي أو شرعيِ ولذلك قرر رئيس البرلمان الاردني مطالبة أولئك الأعضاء بإعادة تلاوة القسم بنصه الاصلي ومن دون اضافات أمام المجلس، وبخلاف ذلك تكون عضويتهم ناقصةِ رفض النواب 'المخالفون' تفسير رئيس البرلمان، وزادوا على ذلك بالطعن في دستورية رئاسته، حيث انهم سبق ان شاركوا في انتخابه، على الرغم من النقص الذي شاب عضويتهم، حسب ادعائه!
وقد أسقط بيد رئيس البرلمان الاردني واضطر، والنواب المعنيون بالأمر، للقبول بحل وسط تمثل في موافقتهم على قيام رئيس المجلس بتلاوة القسم علنا في الجلسة القادمة، بنصه الدستوري، على ان يقوم اولئك الأعضاء برفع أيديهم بعدها بما يفيد موافقتهم على ذلك القسم، دون ان يضطر كل واحد منهم الى قراءته بصوت عال امام البرلمان، كما نصت على ذلك قواعد ولوائح العمل البرلماني.
ويمكن القول ان الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، وان الأزمة ستتكرر في جلسة البرلمان القادم، ان كان هناك برلمان قادم، حيث ان من الواضح ان الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل ستتطور الأمور الى تصادم بين السلطة والبرلمانيين الآخرين من جهة، وبين الأطراف المتشددة من النواب من جهة أخرى عندما تتكرر الاضافات وتضاف إليها أخرى.
ما حدث في الاردن حدث ما هو مماثل له في جلسة افتتاح مجلس الأمة الكويتي قبل أيام، عندما قام النائب عواد برد باضافة ما خطر على باله للقسم الدستوري، وهو الأمر الذي تطرق إليه الزميل نبيل الفضل في زاويته في 'الرأي العام' يوم الأربعاء الماضي، ومرت اضافته مرور الكرام في المجلس دون ان يكترث لها الكثيرون، وهو الأمر الذي سيشجع هؤلاء مستقبلا وسيجعلهم يقومون باضافة أمور اخرى قد تؤدي في نهاية المطاف الى تضييع معالم القسم الأصلي.
ان رئاسة المجلس مطالبة بوقف مثل هذه التجاوزات الدستورية، فالجماعة يجب أن 'لا يعطوا وجها' في مثل هذه الأمور، فقد عودونا على المطالبة بكيلومتر متى ما سكتنا عن أخذهم شبرا واحداِِ وهلم جرا!.