يا له من عالم صغير
كعادته في ان يكون مختلفا عن الاخرين في الكثير مما يفعله فقد اختار مطعما انيقا في احدى مناطق جبل لبنان ليحتفل بزواجه دون طبل او زمرِ ومن اجل ذلك دعا لذلك الحفل مجموعة صغيرة من اقرب اقرباء زوجته، اضافة الى اثنين فقط من اصدقائه، احدهما لبناني متزوج من سيدة سورية والاخر اسكتلندي متزوج من مواطنتهِ كانت الاولى حاملا في شهرها الاول، اما زوجة الثاني فكانت حاملا ايضا ولكن في شهرها الثالث.
بعد أسبوع واحد فقط من حفلة العشاء 'المحفوفة' تلك اندلعت شرارة الحرب الاهلية اللبنانية 1975 وأدت، ضمن امور كثيرة اخرى، الى تفرق وتشتت شمل وجمع كل من كان في تلك الحفلةِ حيث لجأ أهل واقارب الزوجة الى ضيعهم وقراهمِ وغادر الصديق اللبناني وزوجته الى السعودية للعمل هناك، اما الضيف والصديق الاسكتلندي وزوجته الحامل فقد غادرا الى كندا.
انقطعت صلة المضيف بصديقيه لفترة امتدت لعشرين عاما بالتمام والكمال، الى ان كانت تلك الليلة التي التقى فيها، بطريقه الصدفة البحتة، بصديقه الاسكتلندي وزوجته وابنتيهما في مطعم صيني في مصيف برمانا اللبناني.
بعد العشاء دعا المضيف صديقه الاسكتلندي وعائلته الى الفندق الذي كان يقيم فيه لتناول الفواكه والقهوة ولتبادل الاحاديث ولمعرفة ما مرت به كل عائلة من احداث واحوال في السنوات العشرين الماضية.
اثناء ذلك استأذنت الابنة الكبرى من والدها للذهاب لمقابلة زميل مدرستها، والذي تصادف انه كان يقيم وعائلته في الفندق نفسهِ وقبل ان تغادر اصطحبت معها اختها الصغرى وابنة المضيف.
بعد نصف ساعة تقريبا اتصلت الابنة هاتفيا لتعرف موعد مغادرة والديها الفندق، وعما اذا كان بامكانهن البقاء لفترة اطول مع من قمن بزيارته، وكان المضيف هو الذي رد على الهاتف ووافق على بقائهن لفترة اطول وقال لها انه سيقوم بالاتصال بها متى قرر والداها المغادرة، وهنا طلب منها رقم الغرفة التي يتواجدن فيها واسم صاحبهاِ وما ان سمع المضيف بالاسم وسأل المزيد عن والد ووالدة صديق الابنة وتأكد من انه يعرفهما جيدا حتى طلب منهم جميعا العودة الى غرفتهِ ما ان اجتمع الشمل عنده وانتهوا من تبادل التحيات والقبلات حتى بادر المضيف بسؤال الابنة الكبيرة عن ظروف تعارفها على صديقها فقالت إنه كان واحدا من بين ثلاثة آلاف طالب وطالبة في تلك المدرسة الداخلية في اسكتلندا وانهما تعارفا وتحابا منذ اليوم الاول الذي التقيا فيه قبل سنتين وانها لا تعرف الكثير عن عائلته اللبنانية!! وعندما سألها المضيف عما اذا كانت تعرف والديه قالت إنها لم يسبق لها ان التقت بهما من قبلِ وهنا سأل المضيف صديق الفتاة عن سابق معرفته بوالدي صديقته فذكر انه لم يسبق له ان التقى بهما من قبل هذا اليومِ وهنا قال المضيف إن كليهما مخطئ حيث سبق ان تقابلا من قبل، وقبل عشرين عاما بالتمام والكمالِ وعندما شاهد المضيف امارات الدهشة مرتسمة على اوجه الكل استطرد، مفاجئا الجميع، بالقول إن اللقاء الاول بينهما تم عندما كانا في رحمي اميهما في حفل العشاء الذي سبق للمضيف ان اقامه بمناسبة زواجه قبل عشرين عاما!.
هذه ليست قصة مقتبسة من فيلم هندي او بروفة مسلسل تلفزيوني مكسيكيِِ بل هي قصة حقيقية كان الكاتب هو المضيف فيها!.
أحمد الصراف