حق ستة مليارات إنسان علينا
كلما ذهب أحدهم تأملنا الخير والسماحة والتسامح في من سيأتي بعده، ولكن كان أملنا يخيب في كل مرة.
صرح عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت، السيد محمد الطبطبائي، بأن أكثر العلماء ـ وهنا يقصد رجال الدين ـ يحرمون تهنئة النصارى بعيد الميلادِ كما أكد أنه يحرم على المسلم بيع بطاقات التهنئة او شجرة عيد الميلاد وما تتطلبه من زينةِ كما ذكر أن علماءه لا ينصحون حتى بالمشاركة أو المعاونة في نقل اشجار أعياد الميلاد أو ايصال الكهرباء لها مثلا، وادعى بأن الله نهى عن ذلك!.
لاشك أن للسيد الطبطبائي الحق في ان يفعل ويعتقد ويتصرف كيف يشاءِ ولكن لا أعتقد ان من حقه نشر الكراهية والبغضاء بين الناس خاصة أنه أكد في تصريحه غير الموفق ان هناك اختلافا كبيرا بين رجال الدين على موضوع تهنئة المسيحيين بأعيادهمِ يعلم السيد العميد أن الفرد منا ما ان يستيقظ من نومه صباحا حتى يقوم بانارة الضوء الكهربائيِ والاضاءة وكل ما يتعلق بها من مصابيح وأسلاك وكيبلات وأبراج ومولدات وتوصيلات وعشرات آلاف القطع الاخرى، من اختراع وانتاج وتوصيل وتركيب مجموعة هائلة من البشر حرم السيد الطبطبائي وعلماؤه علينا تهنئتهم بأحد أعيادهم ولو مرة واحدة في العام!.
وعندما نغادر فراشنا صباحا ونتوجه الى الحمام ونفتح الصنبور لتدفق المياه الدافئة منه وسنتمتع ب'دوش' منعش يعيننا ولو قليلا على قراءة وسماع غريب الفتاوى، أليس حقا علينا أن نشكر كل من شارك وانتج واخترع الصنبور ومضخة الدفع وأنابيب نقل وأدوات تسخين المياه؟ وهل كثير عليهم أن نتمنى لكل فرد منهم ميلادا مجيدا أو عاما سعيدا؟.
وعندما نقوم بارتداء ملابسنا وانتعال أحذيتنا وتمشيط ما تبقى من شعر في رؤوس البعض منا والتوجه للمطبخ لتناول ما لذ وطاب من طعام وشراب، أليس من الانصاف ان نفكر في من قام بزراعة وحصاد وتحويل وتعليب وحفظ ونقل كل تلك المواد لنا وجعلها في متناول أيدينا وبطوننا؟ وأن نقوم بتقديم الشكر له وانتهاز الفرصة لتهنئته بعيده ولو مرة في العام؟.
وعندما ننطلق بسياراتنا الفارهة صباحا الى العمل ألا نفكر في من صنع وسيلة الانتقال الرائعة تلك؟ ولماذا أصبنا ببلادة المشاعر فأصبحنا لا نكترث حتى بالتساؤل عن ذلك المسكين الذي استيقظ قبلنا بساعات وحضر الافطار وغسل السيارة وقام بتوصيل الأنجال الى المدرسة ليقوم بسقي الزرع وتنظيف زجاج البيت وكنس فنائه الخارجي ونشر الغسيل والذهاب للجمعية، كل ذلك قبل ان نستيقظ من النوم؟ ولماذا لم ننتبه الى حقيقة انه يقوم بذلك العمل طوال 750 يوما كاملا دون انقطاع وكل ذلك مقابل 1500 دينار فقط؟ ألا يستحق منا هذا الانسان ان نقول له مرة واحدة كل 365 يوما 'ميري كريسماس'؟.
وعندما نجلس وراء مكاتبنا، الفخمة منها أو المتواضعة، وندير جهاز التكييف صيفا أو شتاء ونستعمل الهاتف لكسب قوتنا ونرد على مكالمات النقال التي توفر علينا مشقة الانتقال هنا وهناك، ونستقبل ونرسل مئات التعليمات والمعلومات عن طريق أنظمة الانترنت والفاكس دون أن نتحرك من مكاننا، ألا يستحق كل من شارك في اختراع وصناعة وشحن كل أجهزة ووسائل الراحة والاتصال تلك أن نرسل له بطاقة معايدة في عيد من أعياده ولو مرة في السنة؟؟.
وعندما نصاب بعارض صحي بسيط، ولا نود ان نقول بمرض خطير كالسرطان، ألا نسرع بمراجعة المستوصف وطلب صور الاشعة واجراء التحاليل اللازمة وتناول الادوية والمسكنات؟.
إذا لم لا نعترف بأن من حق من اكتشف كل طرق التشخيص والعلاج تلك وقام بصنع الأدوية وتعليبها وأرسلها إلينا لنخفف بها آلامنا ونحسن بها من طريقة معيشتنا أن نتمنى له سنة سعيدة؟.
إن القائمة طويلة ولا تكفي صفحات هذه الجريدة وغيرها من الصحف المحلية لسرد أفضال كل شعوب الارض علينا وعلى رأسها الشعوب المسيحية التي نصر على تسميتها بالنصرانية، إمعانا منا في التقليل من شأنها!.
فهل من الانصاف بعد كل ذلك ان نصدر ما نشاء ونشتهي من فتاوى غير عابئين بما تثيره من فرقة وبغضاء بين الناس؟!.
حقيقة إن الحق ليس عليكم وليس على من ثبتكم في مناصبكم ولكن على كل من سكت عن سيئ فتاواكم.
ملاحظة ـ نقلا عن 'الطليعة' الكويتية: قامت المنظمة العالمية للملكية الفكرية باستلام خمسة آلاف طلب براءة اختراع عام 2001 من مختلف دول العالم وهو الرقم الأعلى في تاريخ المنظمة.
وقمنا في الفترة نفسها ب'اصدار' 17500 فتوى جديدة كان لمجمع الفقة الاسلامي الذي عقد أخيرا في الكويت حصة لا بأس بها منها!.