هل كنا على حق طوال 12 عاما ؟
لا اعتقد ان من الصعب توقع نتيجة حرب تقف فيها ليبيا والسودان واليمن وسوريا الى جانب نظام هو الاشد ظلما لشعبه وجيرانه واصدقائه، وتقف بقية قوى الحرية والانسانية والعدالة في العالم في الجانب الآخر، فمنذ ما قبل الحرب العالمية الاولى، والى اليوم، كان النصر دائما حليف قوى الخير والحرية وكانت الهزيمة دائما من نصيب القوى التسلطية والدكتاتورية التي حكمت شعوبها بالحديد والنار.
***
من الصعب حصر النتائج الايجابية التي ستتمخض عنها حرب تحرير العراق من قبضة صدام حسين، ولكن من الواضح انها بينت بما لا يدع مجالا للشك، بأن ما صرحت به اميركا، طوال الاسابيع الماضية، من انها ستقدم، ولو منفردة، على عملية تحرير الشعب العراقي ودول المنطقة الاخرى من ظلم نظام صدام، لم يكن كلاما مرسلا على عواهنه، بل كان كلاما يعني قائله معناه، وقد اسكتت تلك الحرب كل كلمات السخرية والاستهزاء التي كانت تسمع هنا وهناك، والتي كانت تعلن أن الامر لا يعدو ان يكون تهويلا وجعجعة غربية فارغة.
كما كشفت هذه الحرب كذلك زيف كل مدعي العلم والمعرفة والاطلاع الذين اصروا، ومنذ اكثر من 12 عاما، على ان بامكان الاميركيين القبض على صدام ومحاكمته في اي وقت شاؤوا وانهم كانوا قادرين دائما على قتله في عقر داره بأحد اسلحتهم السرية، وان قدرتهم على ارسال عميل للعراق ليقوم باغتياله، قدرة غير محدودة، وانهم لم يفعلوا ذلك في الايام الاخيرة من حرب تحرير الكويت، او بعدها لاسباب خاصة بهم، وان صدام عميل لهم ويعمل لحسابهم، وانهم هم الذين نصبوه رئىسا على العراق، وان الهدف من زرعه ووجوده رئىسا لم ينته بعد، وكم هائل آخر من اللغو (!!)، ولم يصدقوا يوما كل ذلك النفي والتصريح والتلميح الذي صدر من مختلف الاطراف بدءا بالجنرال 'شوارتسكوف' مرورا ببقية المسؤولين الاميركيين وانتهاء بالرئيس الاميركي السابق جورج بوش، من ان هدف اميركا، في حرب تحرير الكويت لم يكن قط دخول العراق وملاحقة صدام حسين في ازقة بغداد وقتله، حيث ان ذلك كان يخالف كل ما اتفقت عليه الدول الكبرى في حينه! ولكن كالعادة لم يصدق الكثيرون منا تحت ضغط نظريات المؤامرة، كل تلك التصريحات والتلميحات وكل مادون في كتب السير الذاتية عن هذا الموضوع، واختاروا، وبإصرار، الاحتفاظ بقناعاتهم المبدئية، وها قد بينت لنا الاحداث العسكرية، التي تجري في العراق منذ ايام، ان القبض على رئىس النظام العراقي وتقديمه للمحاكمة او قتله في احد مخابئه العديدة ليست بالعملية السهلة ولا بالنزهة الممتعة.
فهل نتعلم شيئا من دروس التاريخ، ونتخلى، ولو قليلا، عن تفسير كل شيء ضمن اطار المؤامرة؟.