اعادة اختراع العجلة في الكويت
قامت 'القبس' قبل فترة بنشر تحقيق صحفي تعلق موضوعه بالمناهج الدراسية شارك في التحقيق الزميل احمد الديين، من جهة، ووكيل التربية المساعد لشؤون المناهج، من جهة اخرى، وبحضور احد رجال الدين.
* * *
تعتبر المناهج الدراسية حجر الرحى، او القاعدة التي يقوم عليها اي نظام تعليمي في اي دولة كانتِ ويمكن قياس قوة مخرجات التعليم بقياس قوة المناهج، او العكس، ومن الواضح ان التعليم في الكويت متخلف الى درجة كبيرة، ولم يحدث ذلك من فراغ او من غير سبب، بل جاء كنتيجة طبيعية لاستعانتنا في تطوير مناهجنا بمناهج دول تتفاوت درجة تخلفها، بحيث تزيد عنا او تقل حسب الميدان او المجال المطلوب تغطيته.
ان الاسلوب او الطريقة التي تم بها وضع مناهج مدارسنا في منتصف الثلاثينات، بالرغم من صلاحه في وقته، لا يعني اطلاقا انه صالح لكل زمان ومكانِ فقد استعان من استوطنوا الكويت في بداية نشأتها بمختلف المهارات الحرفية لسكان دول الجوار الاكثر خبرة، سواء في البناء والانشاء او في اقامة مختلف الصناعات البدائىةِ ولو اخذنا جانب البناء مثلا لوجدنا ان اساليب بناء البيوت كانت متخلفة، وتتسم بالبساطة وكثرة العيوب، ولم يمر وقت طويل، ومع تدفق الثروة، حتى قامت الدولة والافراد والمؤسسات بالاستعانة بمهندسين من خريجي الجامعات العربية لاقامة مختلف المشاريع، مع تطور الامور وتعقد الحياة تطلب الامر الاستعانة ببيوت ومؤسسات استشارية وهندسية عالمية لتخطيط وتصميم وبناء المشاريع ذات التقنية العالية.
وعليه، فمن الطبيعي والمفترض ان يتقدم التعليم بالاسلوب نفسه، ان لم يكن بوتيرة اكثر تسارعا، فقد استبدلنا، في الفترة ما قبل منتصف القرن الماضي، بالكتاتيب البدائية 'نظام' المدارس النظاميةِ وكانت تلك المدارس تقوم في البداية بتدريس عدد قليل من المواد كالحساب واللغة العربية والدينِ ومع تقدم الوقت وازدياد اهمية التعليم قامت الدولة بالاستعانة بمدرسين عرب، من اصحاب الخبرات الاعلى، وتبع ذلك ادخال مواد جديدة على المقررات مثل اللغة الانكليزية والرياضيات المتقدمة والمواد الاجتماعية والفنية الاخرىِ ثم تطور الامر اكثر مع افتتاح الجامعة والمعاهد المتخصصة، الامر الذي ادى الى زيادة الحاجة إلى أصحاب الشهادات الاكاديمية العالية من مختلف الدول العربية.
كان من الممكن الاستمرار في عملية الاستعانة بمناهج الدول العربية الاخرى، مع تقدمنا واياها، في مختلف المجالات، ولكن ظهور وبروز مجموعة من المتغيرات، محليا وعالميا، جعلت مسألة استمرار الاستعانة عملية عقيمة وغير ذات جدوى، ان لم تكن ذات نتائج عكسية خطيرةِ فمن جهة تسارع تقدم الكويت العلمي، نسبيا، وفي مختلف المجالات، عن الدول التي كانت، ولا تزال تستعين بها وبخبراتها في عملية وضع المناهج الدراسية لمختلف المواد والمستوياتِ كما زادت الهوة العلمية والثقافية اتساعا بين الدول الصناعية المتقدمة ودول العالم الثالث، وهذا ادى الى تخلفنا في مختلف المجالات ومناحي الحياة، بسبب او كنتيجة، لتخلف مخرجات مؤسساتنا التعليمية بمختلف مستوياتها، الامر الذي ادى الى توقفنا، والدول العربية الاخرى، عن التقدم والرقي مع بقية شعوب الارض وتوقفت عجلة التعليم عند المستويات التي كانت عليها عند منتصف القرن الماضي.
وعليه، مطلوب منا التوقف عن الاستعانة بمناهج متخلفة، ومحاولة اعادة اختراع العجلة، بل يجب الاتجاه بكامل قوانا نحو الاستفادة من خلاصة التقدم العلمي في مجال التعليم، سواء كان من الولايات المتحدة او اوروبا او اليابان.
فمن غير المعقول مثلا الاستعانة بالتقنية الايرانية او الرومانية في صناعة السيارات اذا كنا نرغب في خلق نواة لصناعة سيارات متقدمة في الكويتِ والامر نفسه ينطبق على اي امر آخر تحتاج الى جلبه من الخارج بسبب عدم توفره لديك، فالمناهج الدراسية، في نهاية الامر، ما هي الا حصيلة تجارب دول متقدمة قامت ببذل مليارات الدولارات في وضعها وتأليفها ومراقبة نتائجها ودراسة تأثيراتها وتحليل مخرجاتها وتغيرها وتبدلها تحت مختلف الظروف والاجواء، الى ان وصلت الى ما هي عليه من تقدم وتعقيد، وكل هذا الثراء التعليمي العلمي لا يمكن مقارنته بتجاربنا البدائىة والمتواضعة في الكويت والسعودية ومصر وسوريا وغيرها من البلاد العربية الاخرى، لا لشيء الا لافتقادنا كافة الادوات والشروط اللازمة لقياس اثر او تأثير اي مادة تعليمية من جهة، ولفقدان روح المثابرة والجلد التي تتطلبها عملية القيام بمثل هذه الدراسات المرهقة والمكلفة من جهة اخرى.
فهل يوجد لدينا من هو على استعداد لخلق ثورة تعليمية في الكويت؟ اشك شخصيا في وجود مثل هذا الانسان، على الاقل ليس في هذا القرن!.