الموانئ والعناية الالهية
اتصل بنا قارئ فاضل قبل ايام وقال انه موظف سابق في الموانئ، وانه تأثر كثيرا لقراءة ما سبق وان كتبناه من نقد لاوضاع مؤسسة الموانئ، ويذكر ان حنينه لعمله السابق وحرصه على سمعة المؤسسة التي خدم بها لاكثر من 18 عاما وغيرته على مصلحة وطنه، دعته لكي يقوم بزيارة ميناء الشعيبة، وهو الميناء الاهم والاكبر في الكويت، ليتأكد بنفسه مما ورد في مقالنا.
وقال انه خرج من زيارته تلك بانطباعات مؤسفة تمثلت في امور ثانوية مثل الغياب التام لكل احتياطات الامن والسلامة، فدخول تلك المنطقة بالغة الحساسية والاهمية ممكن بقليل من الاقناع.
اما داخل منطقة الميناء الواسعة فليس هناك اي دوريات او نقاط تفتيش، بخلاف بعض سيارات الداخلية التي تقف في بعض الزواياِ كما يمكن ملاحظة عدم وجود اي خطوط ارضية تبين مسارات المركبات الخاصة او الشاحنات الضخمةِ والكل يسير في الاتجاه الذي يناسبه مع تجاهل تام لما تبقى من اشارات مرور تالفة.
كما تبين له وجود عدد كبير من الحفر الضخمة التي نتجت عن هبوط او انهيار ارضيات ارصفة الميناء، وخاصة بالقرب من خط سير الرافعات العملاقة!
وتبين له ان عمق وقدم تلك الحفر دليل على غياب الصيانة بشكل تام وكامل منذ سنوات طويلةِ اما المصدات، او قطع المطاط الضخمة، التي تحمي الارصفة الخرسانية والسفن من الارتطام ببعضها البعض، فانها تحتاج في غالبيتها الى تغيير، فيما ابقاؤها على وضعها الحالي يعرض الارصفة والسفن لحوادث خطيرةِ كما تبين له تلف كافة سلالم الانقاذ الحديدية التي توصل سطح البحر بسطح رصيف الميناء.
وبالسير في منطقة الميناء لاحظ ان هناك كثيرا من المباني التي تحتاج الى صيانة، بسبب تلف ابوابها واسقفها المتطايرةِ ولاحظ كذلك وجود عدد من المباني قيد الانشاء، ويحتوي احدها على 'جاكوزي'، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من المباني الخالية التي يمكن الاستفادة منها بقليل من العناية والصيانة الدورية!ِِ كما وجد ان هناك كما كبيرا جدا من المواد التالفة المطلوب ازالتها فورا، وهذا يحتاج الى صرف المال، وهو امر الادارة على غير استعداد للقيام بهِ كما لاحظ ان انابيب البترول الضخمة المحاذية لاحد الارصفة مكشوفة ويمكن السير بجانبها وتحتها وفوقها دون اي حماية او حتى لوحة ارشادية تحذر من الاقتراب منهاِ وقال انه قام بالالتقاء ببعض العاملين في الميناء وبوكيل احدى الناقلات وقبطان باخرة ناقلة اخرى، وكلهم من غير الكويتيين، وخرج بالنتائج الخطيرة التالية، والتي عاينها بنفسه على الطبيعة:
اولا: 'تمتلك' دولة الكويت قاطرة سفن واحدة فقط لا غير في ميناء الشعيبة، وبقية القاطرات مؤجرة! وبالرغم من وجود الطاقم الكويتي المؤهل لتشغيل هذه القاطرات قليلة العدد، الا ان عددا كبيرا من هؤلاء الموظفين، ولاسباب تتعلق بغياب العقاب وحملهم لجنسية كويتية ولوجود نائب او متنفذ وراءهم، تخلوا عن اعمالهم لمجموعة من الاسيويين غير المدربين، اما الفئة القليلة المخلصة من العاملين الكويتيين فهم في تناقص مستمر.
ثانيا: يعتبر برج ميناء الشعيبة الوحيد في العالم الذي لا يحتوي على رادار، وهو يعمل بالتالي بالتخمين والحظ من جهة، وبالقدرة الإلهية من جهة أخرى، وهي القدرة التي تدخلت حتى الان للمرة المليون لانقاذ هذا البلد من كل الورطات الادارية والمالية وغيرها، التي طالما اوقعها فيها ابناؤهاِ كما تبين له افتقاد البرج لجهاز قياس اتجاه وسرعة الرياح، وهذا يعني زيادة احتمال وقوع كوارث بيئية او بشرية خطيرة!
رابعا: توجد في الميناء ثلاث رافعات عملاقة، الاولى معطلة، والثانية لا تعمل لسبب ماِ اما الثالثة فان مشغلها الكويتي اختار عدم العمل في ذلك اليوم! ادى هذا التسيب الى توقف عملية تفريغ الحاويات بصورة تامة في ذلك اليوم، وهو يوم عمل رسمي، الامر الذي ادى ويؤدي وسيؤدي الى تفريغ البواخر لايام بدلا من ساعات، كما تبين من فحص سجل احدى السفن الكبيرة انها دخلت الميناء في الثانية من مساء يوم 29 يناير وجدول رحلاتها يتطلب منها مغادرة الميناء في الرابعة من اليوم التالي، ولكنها وبعد اكثر من ستة ايام كاملة لايزال نصف حمولتها على ظهرها بدون تفريغ!
خامسا: كان معدل تفريغ الحاويات، عندما كانت تدار من طاقم فلبيني، يبلغ 30 حاوية في الساعة، وانخفض هذا الرقم حاليا الى ثماني حاويات فقط بعد عملية التكويت مباشرة (!)، وكان من الممكن قبول ذلك لو عمل هؤلاء بضمير، ولكن يبدو ان غياب العقاب والرغبة في ارضاء النواب، غيبا معهما الضمير ايضا!
سادسا: تحدث هذه الجريمة بحق الكويت وسمعتها من تأخير لعملية تفريغ الحاويات وتكدس وتأخر البواخر في المياه الاقليمية وفي الميناء وزيادة نسبة التلوث في حوض الميناء وتأخير مصالح اصحاب البضائع ووكلاء السفن وعرقلة عمل المرشدين، والتي ربما تكون الفئة الوحيدة التي تعمل باخلاصِ يحدث كل ذلك بالرغم من ان عدد مشغلي الرافعات العملاقة يتجاوز الستين موظفا كويتيا (!)، فأين ذهب كل هذا العدد؟
سابعا: بالرغم من ان عدد مشغلي الرافعات يبلغ 60، كما يقال، الا ان عددا كبيرا منهم لم يقم بتشغيل رافعة 'فورك لفت' في حياته، كما ان نسبة كبيرة منهم لا يحضرون الى العمل اصلاِ ويعود سر كل هذا التكالب للعمل كمشغلي رافعات الى علاوة 'التشغيل' التي تبلغ مائة دينار، والتي تدفع لغالبيتهم شهريا دون مقابل، حيث انهم في غياب مستمر!
خلاصة مكالمة القارئ الكريم ان وضع الميناء مزر ويدعو للاسفِ كما ان احتمال وقوع كارثة بيئية او بشرية وارد في اي لحظة بسبب الغياب التام للرقابة والصيانة، والادارة الواعية، وقبل كل ذلك الاحساس بالمسؤولية.
انتهت مكالمة القارئ، الذي حرص على عدم التصريح باسمه.
وعلى ضوء ذلك فان من حقنا ان نعتقد بان وضع ميناءي الشويخ والدوحة ليس بافضل من وضع ميناء الشعيبةِ كما ان من حقنا ان نعتقد بان هذه الموانئ لم يقم اي مسؤول كبير بزيارتها من قبل، فان كان اعتقادنا صحيحا فان الامر يدعو للاسف، اما اذا كان اعتقادنا غير صحيح، وان اكثر من مسؤول سبق وان زار وتفقد احد او كل تلك الموانئ ولايزال الوضع - بالرغم من تلك الزيارات - على ما هو عليه، فان الامر يدعو ليس فقط للاسف، بل لما يشبه النحيب!
اما اولئك النواب المادحون والمطبلون للمؤسسات الخربة والفاشلة والمقصرون في اداء واجباتهم الرقابية والتشريعية فهم اما جهلة غير عالمين بالمصير المظلم الذي ينتظرنا، وطنا ومواطنين نتيجة هذا التسيبِ او عالمون ومدركون لكل ذلك ولكنهم مستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه، وليذهب الكثير من الامور الى الجحيم!!