فضيحة الموانئ
تعتبر الموانئ العامة من أهم مرافق الدولة الحيوية، وأكثرها اهمية وتعلقا بالحركة الاقتصادية والتجارية، وبتوقفها عن العمل، لأي سبب كان، يتوقف العديد من الانشطة المهمة جدا، ويفقد عشرات آلاف الموظفين والمتعاملين معها أعمالهم، كما يؤدي الأمر الى حدوث ارتفاعات كبيرة في اسعار الكثير من السلع والمواد المستوردة.
وعلى الرغم من اهمية موانئنا البحرية، كالشعيبة والشويخ والدوحة، التي لا تقل اهمية عن الميناء الجوي الوحيد في البلاد، الا أننا نرى ان ما أنفق على تطوير هذه الموانئ يكاد لا يقارن بما أنفق في السنوات العشرين الأخيرة، على تطوير المطار.
تكمن مشكلة الموانئ البحرية، في جزء منها، مثلها مثل الكثير من مرافقنا، في غياب الرقابة البرلمانية عنها، إما بسبب شخصية من يتولى ادارتها، أو بما تحققه من ارباح ظاهرية بحيث يجنبها الكثير من الانتقادات التي عادة ما توجه الى ادارة مثل هذه المؤسسات عند مناقشة ميزانياتها المستقلة في مجلس الأمة، او بما تقوم به ادارتها من ارضاء لمختلف الاطراف السياسية عن طريق توظيف المنتمين اليها وتشغيلهم.
كما تعتبر المؤسسة العامة للموانئ من الجهات ذات العقود التشغيلية العالية، والتي تقدر بعشرات الملايين، الأمر الذي جعلها هدفا، وعلى مدار السنوات العشرين الماضية، لقوى الفساد، الداخلية والخارجيةِ وعلى الرغم من توافر الموارد المالية المتاحة للاستثمار لدى مؤسسة الموانئ، التي تبلغ اكثر من 32 مليون دينار، مستثمرة في ودائع طويلة الاجل، والتي تشكل ما نسبته 50% من رأسمالها البالغ 65 مليون دينار، الا ان ادارتها العليا لم تقم بعمليات الانفاق الرأسمالي لأغراض التحديث والاستبدال لأصولها الثابتة، وذلك بسبب غياب الاستراتيجيات والخطط طويلة الأجل للحفاظ على الطاقات التشغيلية للمؤسسة من خلال الاجهزة والمعدات المناسبة، والصيانة الدورية الشاملة لأصول المؤسسة.
يشكو المتعاملون مع المؤسسة مر الشكوى من القضايا التالية:
اولا: عدم التفات الادارة الى مشكلة اخلال مقاولي المناولة في ميناءي الشويخ والشعيبة بعقودهم، التي تمثلت في قيامهم بنقل معداتهم وآلاتهم من مواقعها في الميناءين إلى مواقع اخرى أكثر ربحية لخدمة عمليات مناولة معدات الجيش الاميركي، الأمر الذي أدى الى تكدس البضائع في الموانئ وتأخر تخليصها وتذمر كافة اصحاب العلاقة من الوضع.
ثانيا: النقص الكبير في عدد القاطرات، او التكات، التي تقوم بقطر البواخر الى داخل الميناء.
ثالثا: النقص الكبير في عدد الرافعات وحاجة الموجود منها الى الصيانة الشاملة.
ثالثا: تضارب ساعات العمل (الشفتات)، والبطء الشديد في الأداء بسبب تعدد جهات الاشراف على العاملين في الموانئ، حيث يتبع بعضهم المؤسسة ويتبع البعض الآخر مقاولي المناولة في الميناء.
رابعا: حاجة الكثير من مرافق ومعدات المؤسسة الاخرى الى عمليات صيانة شاملة وكاملة، كالممرات والسكك التي تتحرك عليها الرافعات العملاقة.
إن تقاعس الادارة الحالية، وبعض الادارات السابقة، عن اجراء أعمال الصيانة الضرورية للأرصفة والممرات والرافعات بمختلف انواعها خلق مشكلة مزمنة ومتفاقمة، بحيث اصبح حل ذلك يتطلب الانفاق الكبير والسريع، وهو أمر ان حدث فانه سيحول موازنتها الى خسارة، بدلا من الربحِِ وهو الأمر الذي لا ترغب الادارة الحالية في حصوله، وهذا يتم بالطبع على حساب جودة العمل ومتطلبات السلامة والأمان.
من الواضح ان بالإمكان التغلب على الكثير مما تعانيه المؤسسة من مشاكل ومعوقات، وفي فترة قصيرة نسبيا، متى توافرت النية ووجد القرار المناسب، ولكن تسارع الاحداث في المنطقة، وما استجد على الساحة المحلية من تطورات سياسية وعسكرية بالغة الخطورة، وما يعنيه ذلك في جانب منه من حاجة جيوش الحلفاء الى استيراد مئات آلاف الأطنان من المعدات والأدوات والاسلحة عن طريق الموانئ البحرية، خلق مشكلة خطيرة تمثلت في عجز موانئنا، المتهالكة والخربة اصلا، وغير القادرة على مواجهة متطلبات الاستيراد والتصدير العادية للدولة، عن تلبية احتياجات تلك الجهات الدولية، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية الأمر بقيادة القوات المتحالفة الى السعي لدى الجهات العليا لكي يتم تخصيص كامل ميناء الشعيبة لعمليات إنزال معداتها واسلحتها، وإن حدث ذلك، وهو أمر ليس بالمستبعد، فانه سيؤدي الى كارثة، وسوف يتسبب الأمر في تعطيل اكثر من نصف حركة التصدير والاستيراد الحالية واصابتها بشلل لا يمكن تصور تبعاتهِِ الأمر الذي سيؤدي الى خسارة اقتصاد الدولة، ككل، مئات ملايين الدنانير في فترة قصيرة.
إن الحل يكمن في تشكيل فرقة طوارئ من مختلف الاطراف التي لها علاقة بالأمر كمؤسسة الموانئ ووزارات الدولة المعنية كالمالية والتجارة، ولجنة المناقصات المركزية وغرفة التجارة، وطرف آخر يمثل شركات الشحن والملاحة، بحيث تعطى صلاحيات واسعة تمكنها من القيام باجراء الصيانات الفورية اللازمة، واستئجار او شراء المعدات الضرورية من الدول المجاورة او السوق العالمية، وجلبها الى الكويت بأسرع ما يمكنِ إن تكلفة كل ذلك في أسوأ الحالات، لن تبلغ عشر الخسارة المقدرة في حال ابقاء الوضع على ما هو عليه، وهو أمر لا طاقة للاقتصاد والوضع العسكري والسياسي به.
إن الأمر جد خطير ولا يحتاج حله إلا إلى قرار سياسي حكيم.