نوستالجيا
نشرت جريدة الوطن بتاريخ 7 يناير رسالة رثاء ارسلها المربي الفاضل ايوب حسين الايوب، نعى فيها زميله وقريبه المرحوم الاستاذ مجيد عبدالعزيز السالم البدر، الذي توفي في اليوم الثالث من هذا العامِ اعادتني تلك الرسالة، وما نشر معها من صور تذكارية، نصف قرن الى الوراء، يوم كنت تلميذا في مدرسة الصباح مع بداية منتصف القرن الماضي.
استعادت ذاكرتي، وانا اتمعن في تلك الصور القديمة، وجه المرحوم الاستاذ مجيد بتقاطيعه المميزة وصوته الاكثر تميزا، ومعاملته الرحيمة لي كلما تم ارسالي اليه لمعاقبتي بسبب تجاوزاتي المدرسيةِ فقد كان دائما يسامحني ويسألني بلهجته العراقية: 'يا ابني انت ليش هلقد شقي، ويمته تبطل هالحركات؟'ِِ كنت احسبه قد توفي منذ امد طويل، وقد حزنت لقراءة نبأ وفاته دون ان اتمكن من رؤيتهِ من الغريب اننا عندما كنا صغارا، كنا نعتقد بأن الجميع كبير في السن وأكبر منا بكثير، ولم يكن ذلك دقيقا في جميع الاحوال!.
كما جعلتني تلك الرسالة والصور استعيد في مخيلتي وجوه مختلف المدرسين والزملاء الذين كانوا معي في تلك المدرسة، مثل المرحوم الشيخ خليفة العبدالله والشيخ مبارك الجابر ومنصور الاحمد وعبدالمحسن المتروك وعبدالحسين بوراسين وعلي نجف وجليل الجاسم وصالح المسلم وغيرهم الكثيرِ كما تذكرت حركات جسم الاستاذ يوسف عبيد الرياضية وهو يرمي الكرة داخل السلةِ وتذكرت الاستاذ محمد علي، الذي كان يعاملنا بصرامة وعصاه التي كانت نادرا ما تفارق يدهِ كما تذكرت وجه ناظر المدرسة وقتها المرحوم حمد الرجيب، الذي اصبح سفيرا ثم وزيرا للشؤون، والاستاذ عبدالله الجاسم، والاستاذ صالح شهاب الذي كنا نحسده لوقوع منزله امام باب المدرسة الخلفي مباشرة، ولم يكن عليه بالتالي السير لمسافة طويلة، في الحر الشديد او البرد القارس، للوصول الى بيته!!.
بالتمعن اكثر في الصور، اكتشفت، ويا للاسف، أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تخلفت تربويا وتعليميا، في السنوات الخمس الماضية!!.
فقد كنا، بسبب ارتفاع نسبة المدرسين والطلبة غير الكويتيين بيننا، اكثر تسامحا مع الآخرين، واكثر تفهما لظروف الغريب بيننا، كما كنا، بسبب المنافسة اكثر انكبابا على الدرس والتحصيل، وكنا كذلك اكثر اناقة وذوقا و'تقدما' في ملابسنا، مقارنة بملابس طلبة الكثير من المعاهد والمدارس الحكومية في هذه الايام، والامور نسبية بالطبعِ فقد كانت ادارة المعارف (التربية والتعليم) وقبل نصف قرن توزع علينا اطقم ملابس تخاط على مقاساتنا، وكان كل واحد منا يحصل في كل عام دراسي على زوج او زوجين من الاحذية الانكليزية الانيقةِ وكان فرض لبس تلك الملابس الاوروبية الانيقة علينا، وقبل نصف قرن، ثورة بحد ذاتها.
كما كانت مباني المدارس اكثر تميزا من الناحية المعمارية والفنية، مقارنة بمباني المدارس في هذه الايام، التي تشبه بنمطيتها مباني السجون التي نراها في الافلام الاميركية.
ليست هذه حالة 'نوستالجيا' او حنين الى الماضي، بل العكس هو الصحيح، فقد كنا بالفعل روادا في اكثر من ميدان، وبالذات في ميدان التربية والتعليم، ولو استمر تقدمنا في هذين المجالين فقط، وبالوتيرة نفسها التي بدأت قبل 75 عاما لكانت اوضاعنا والكثير من امورنا مختلفة تماما، ولما تمكنت حفنة متخلفة من انتهازيي الاحزاب الدينية من التحكم في الكثير من مقدراتنا.