فعلاِِ لماذا الكويت؟
كتب السيد اسماعيل الشطي، الامين العام السابق للحركة الدستورية، ورئيس التحرير السابق لمجلة 'المجتمع'، لسان حال الاخوان المسلمين في الكويت، والنائب السابق في مجلس الامة، مقالا طريفا في 'الوطن' قبل ايام تساءل فيه عن السبب وراء وقوع مختلف حوادث الاعتداء على ارواح الاميركيين، من مدنيين وعسكريين، على أرض الكويت بالذات دون سائر الدول العربية الاخرى، على الرغم من ان التواجد الاميركي فيها ليس هو الاكبر، كما ان قيادة قواتهم وقواعدهم الكبيرة تقع في قطر، اضافة الى ان الخطاب التحريضي ضد الاميركيين في الكويت هو الاقل مقارنة ببقية الدول العربية الاخرى، وبالتالي يمكن اعتبار الكويت دولة محصنة من اي خطاب معارض للسياسة الاميركيةِ وذكر السيد الشطي كذلك أنه لا يعتقد ان سبب هذه الاعتداءات يعود لوجود 'جماعات دينية' في الكويت، حيث ان دول الخليج الاخرى فيها عدد كبير من هذه الجماعات الدينية، وبالاخص السعودية، ولم يحدث فيها ما حدث في الكويت مؤخراِ كما لا يمكن ان يكون السبب، برأيه، ناتجا عن عجز اجهزة وزارة الداخليةِ ويعتقد السيد الشطي اخيرا أن وجود المناخ الديموقراطي في الكويت لا يمكن ان يكون هو المتسبب، فالديموقراطية عادة ما تشيع جوا صحيا على المجتمعات، وعليه يتساءل السيدالشطي، وببراءة مخيفة، عن السبب وراء اختصاص الكويت بحوادث الاعتداء على الاميركيين، وقال ان هذا امر يستدعي البحث والتدبر بعيدا عن السياسة المحلية!
كان من الممكن تجاهل تساؤلات السيد الشطي، لا لشيء الا لتعمده القفز على الحقيقة التي اصبحت معروفة للكثيرين، ولكن لكونه مرشحا محتملا لانتخابات مجلس الامة المقبل، ولكونه رئيسا لمركز مختص بالدراسات المستقبلية والاستراتيجية، فقد اصبح تجاهل تساؤلاته امرا غير مقبولِ فمن الغريب حقا ان يطرح شخص في مثل خبرة السيد الشطي وتجربته مثل هذه التساؤلات الساذجة، فهو حتما يعرف الاجابة، ولكنه ربما يحاول التغطية على امر ما او تبرئة جهة ما.
ما حصل في الكويت في السنوات الثلاثين الماضية من تحالف حكومي مع الاحزاب الدينية المتطرفة امر غير مسبوق، ولم يحدث مثيل له في اي دولة عربية اخرى، ولا يمكن بالتالي مقارنته بما جرى او بما هو جار في السعوديةِ وان ما انفردت به الكويت من تعدد حوادث الاعتداء فيها على المدنيين والعسكريين الاميركيين لم يكن الا نتيجة مباشرة وحتمية لجهود التثقيف الديني التي قامت بها هذه الاحزاب من دون رقابة او حساب من اي طرف كان طوال عقود من الزمن، الامر الذي اتاح لها جمع مليارات الدولارات في صورة اموال خيرية تمكنت بواسطتها من تأسيس وادارة عشرات المؤسسات المالية والخدمية، واقامة مئات معسكرات التدريب، وعقد آلاف الندوات والاشراف على مئات المساجد، وحث وتشجيع الآلاف من الشباب على الرحيل الى افغانستان والبوسنة وكوسوفو والشيشان للجهاد فيها، ومحاربة قوى الظلم والطغيان هناك! كما اصبح لتلك الاحزاب المسيسة حتى النخاع برامجها التعليمية والتثقيفية الخاصة بها، اضافة الى ما نجحت فيه من زرع لاتباعها ومناصريها في مختلف شعب وزارتي التربية والتعليم والاتحادات الطلابية.
ان الدور الذي قامت به او لعبته الاحزاب الدينية في الكويت في تشكيل فكر مجموعة كبيرة من الشباب لا يمكن مقارنته بما اتيح لاي تنظيم ديني او سياسي في اي دولة في العالم، ولا وجه لمقارنة وضع ونفوذ وتأثير الاحزاب الدينية في الكويت بوضع 'الجماعات الدينية' في دولة مثل السعودية، كما حاول السيد الشطي ايهامنا، فالامر يختلف بصورة جذريةِِ ولا وجه للمقارنة.
وعليه، لا نبالغ ان قلنا ان ما نحصده الان من عنف وعمليات قتل ضد المواطنين والجنود الاميركيين ما هو الا نتيجة حتمية لما زرعته مختلف الاحزاب الدينية من معتقدات وافكار متطرفة في اذهان صبية الامس، شباب اليوم، طوال السنوات الثلاثين الماضية.
ملاحظة:
ألم يحن الوقت لكي يكتشف كل اولئك الشباب المتطرف والمستعد للقيام بالعمليات الارهابية بأنهم وحدهم في الواجهة والعراء، وان ليس معهم، ولا بينهم اي ابن او قريب من الدرجة الاولى لاي من رؤساء او امناء او مديري الجماعات الدينية في الكويت؟ كما لم نسمع قط باسم اي قريب لمسؤولي الصناديق الخيرية وسنابلها المتعددة، بين من تم القبض عليهمِ كما خلت جداول المتهمين بالاختلال العقلي، من المتهمين بالعمليات الارهابية، من اسماء ابناء واقرباء اعضاء مجلس الامة من المنتمين للاحزاب الدينية بسبب وجود هؤلاء الابناء في اميركا للدراسة!.