قمة اللاتسامح
انتقد أحد المحسوبين على الأحزاب الدينية، في مقابلة نشرت معه في احدى الصحف المحلية قبل ثلاثة أشهر، الحكومة السويسرية، والسويسرية بالذات، على مواقفها من الجالية الاسلامية التي تعيش فيهاِ وقال انها تمنع المرأة المحجبة المسلمة من العمل في الدوائر الحكومية، وفي التدريسِ كما قال انها لا تسمح للمسلمين بدفن موتاهم في مقابر خاصة بهم، وتطلب منهم دفنهم بجانب المسيحيين! وقال انهم يجبرون المسلمين على تناول اللحوم المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية!.
يبلغ عدد المسلمين في سويسرا 450 ألفا تقريبا، منهم 15 ألف سويسري، وعليه فإن غالبية هؤلاء غير مجبرين على العيش هناك، وعلى من لا تعجبه تلك القوانين، كما نقول لغير المسلمين في بلادنا، الرحيل عنها، والعيش في بلد آخر.
أما فيما يتعلق بموضوع الطعام، فإن الإنسان بإمكانه العيش لفترة طويلة من غير لحوم، وعدد النباتيين في العالم يتجاوز المليار بقليل، ولا يمكن إجبار أحد عنوة على تناول طعام يخالف معتقداته أو دينهِ أما ما ذكر عن الدفن والمقابر، ولنعتبره صحيحا، فلم يكن لائقا التطرق إليه، خصوصا اننا غير معروفين بتسامحنا مع موتى الديانات الأخرى وطقوسهم الخاصة، فما أقل مقابر غير المسلمين في بلادنا الاسلامية! وعليه لا يحق لنا ان نطالب الآخرين بتخصيص مقابر لموتانا في الوقت الذي لا نعاملهم بالمثل! ولا أدري إن كان السيد مستشار وزير العدل على علم بأن عدد دور العبادة في مدينة لندن وحدها يفوق عدد دور عبادة غير المسلمين في ثلاثة أرباع الدول العربية مجتمعة، ولزيادة التأكد من هذا الأمر يمكنه الاتصال بالسيد محمد القطامي، الذي اختار ان يكون ممثلا لجمعية احياء التراث في مدينة لندن بالذات! ولا أدري كذلك ان كان السيد المستشار قد سمع بقصة تلك السيدة المسيحية التي اضطرت لإجهاض جنينها في شهره الثامن لأسباب طبية، والتي رفضت الدولة التي كان يعمل فيها زوجها دفن جثتها في أرضهم بسبب اختلاف دينها عن دين الدولة، وعندما حاولت أخذها ودفنها في بلادها طلبوا منها وثيقة سفر، وهنا رفضت سفارة بلادها اصدار جواز سفر لها لأنها لم تولد اصلا، وليس لها كيان، مما أجبرها وزوجها على سرقة الجثة من المشرحة وتهريبها ومغادرة تلك الدولة المسلمة العربية الى غير رجعة، بعد ان اعتقدوا في يوم ما بصحة بيت الشعر القائل:
بلاد العرب أوطاني
وكل العرب اخواني!.
وهل يعلم السيد المستشار ان واحدا من أهم الوزراء في ادارة الرئيس بوش هو من اصل لبناني، وان القيادة المركزية الاميركية قامت قبل أيام بتعيين الجنرال ابي زيد، وهو أيضا من اصل لبناني، مساعدا للجنرال تومي فرانكس؟ ولعلم السيد المستشار فإن حلاقة الرئيس الخاصة والتي تمرر حد شفرة الحلاقة في يدها أمام وتحت وفوق عنق الرئيس كل يوم، هي من أصل أفغاني؟ وان خليل زاده، موفد الرئيس الاميركي لمؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في لندن مؤخرا، والذي قد يتولى شؤون العراق في مرحلة ما بعد صدام، هو ايضا من أصل أفغاني؟ وألم يحن الوقت لأن نتجنب انتقاد عدم تسامح الآخرين، وبالذات الأوروبيين والأميركيين معنا، ونحن نمثل بكل تصرفاتنا قمة اللاتسامح حتى مع أنفسنا؟.