أسرة واحدة
يمكن اعتبار قضية استجواب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، السيد طلال العيار، التي قام بها النائب حسين القلاف، منفردا، قضية مفصلية في التاريخ البرلماني الكويتي، وفي تركيبة المجتمع الممثلة، بطريقة سليمة وصحيحة، في نواب مجلس الأمة، فقد كشف هذا الاستجواب، وبشكل يدعو الى الرثاء، مدى الزيف والرياء الذي أصبحنا نعيش فيه، والذي يكاد يصبح، أو ربما أصبح، نهجا مقبولا وجزءا لا يتجزأ من تراثنا وتاريخنا الحديث وركنا اساسيا من تقاليدنا المحليةِ فمظاهر الابتهاج واحتفالات النصر وبرقيات وإعلانات التأييد حتى في الحصول على موافقة زملائه بتشكيل لجنة تحقيق هزيلة في اتهاماته، بينت مدى عمق الفساد في النفوس، ومدى استشراء الخراب في الذمم.
ان اليوم الذي ستطالب فيه كافة دول المنطقة، وبشكل علني، بتطبيق الديموقراطية فيها، والذي سيتزامن مع المطالبة بانهاء الديموقراطية عندنا ليس ببعيدِ ويجب ان نعترف بان من دفعوا في هذا الاتجاه، ولكي تصل الأمور الى هذه الدرجة من الكفر بالنظام الديموقراطي، يكادون ينجحون في مسعاهم.
ان ورقة التوت التي ازالها النائب حسين القلاف باستجوابه اظهرت حقيقة ما كنا ولا نزال نردده من اننا 'أسرة واحدة'، ولكن يبدو اننا كذلك فقط في تأييدنا للفساد وفي وقوفنا مع الباطل وفي معارضتنا للإصلاح(!).
يعتبر النظام الديموقراطي أسوأ أنظمة الحكم الجيدة، ولكن نظامنا الديموقراطي أصبح، وبفضل طريقة ممارستنا للديموقراطية، أسوأ أنظمة الحكم في العالم الحرِ كما بينت تلك الممارسات، بشكل واضح، الخلل الذي يشكو منه نظامنا السياسي.
فالحكومة الكويتية، بوضعها المميز المحكوم داخليا من عدد محدد من وزارات السيادة، هي الحكومة الوحيدة في العالم التي استطاعت البقاء في السلطة لأربعة عقود دون ان تحتاج الى اغلبية برلمانية تتيح لها الحكمِ لكن هناك فرقا بين امتلاك الحق في الحكم وبين ممارسة الحكم، فالممارسة تعني التشريع، والتشريع يحتاج الى اصوات برلمانية، وهذه الاخيرة لم تكن قط مقننة بشكل واضح بسبب منع تشكيل وتأسيس الاحزاب السياسية، الامر الذي دفع السلطة للتحالف مع مختلف القوى الداخلية في المجلس، من قبلية وطائفية ومحافظين وقوميين، وهي القوى التي تمثلت في المجالس النيابية الثلاثة الأولى، ثم تغيرت الحال تدريجيا، وأصبحت القوى المنتمية الى الأحزاب الدينية صاحبة الاغلبية البرلمانية، وتم ذلك اما بسبب مختلف الامتيازات السياسية والمالية التي أغدقتها الحكومة عليها، او لاعتقاد الحكومة ان بامكانها السيطرة عليها، اما بسبب وصوليتها، او لكونها تاريخيا، الاقل ميلا للتغيير! واظهر استجواب القلاف هذا الامر بشكل واضح، فقد كانت الكتل الدينية الاكثر مراءاة ورياء من بين كتل المجلس الأخرى، حيث لم تحرك ساكنا خلال ساعات الاستجواب الطويلة، وزادت على ذلك باجهاضها أي محاولة للنيل من الحكومة ومن وزيرها 'المفيد'!
ان فشل المجلس وطوال الدورات الثلاث الماضية، وفشل المجالس السابقة له، في اقرار الحد الادنى من القوانين، وفي تخلف غالبية ما صدر عنها من تشريعات كقانون منع الاختلاط والجامعات الخاصة وقوانين الصحافة والنشر، وتحريم تجنيس أصحاب الديانات الأخرى، بصرف النظر عن كفاءاتهم العلمية، بين بصورة جذرية اننا بحاجة فعلية الى مراجعة مع النفس ونبذ هذه الممارسات الشاذة المتمثلة في مجلس كالجثة المتحركة.
ان هذه المراجعة تتطلب النظر بصورة جدية في حل مجلس الامة الحالي، وحل كافة التنظيمات القائمة على اسس عنصرية أو مذهبية أو دينية، ومصادرة مقارها وأموالها ومنع الانتخابات الفرعية والدعوة للانتخابات على اساس الدوائر العشر السابقة مع حظر الترشيح على اسس حزبية دينية أو عرقية قبلية، والسماح بتأسيس عدد محدد من الاحزاب السياسية المدنية.