لماذا في الاتجاه المعاكس ؟
تقوم الدولة ومواطنوها والمقيمون فيها يوميا بتوثيق ملايين المعاملات والمعاهدات والمراسلات الرسمية والشخصية، ويمثل التاريخ الميلادي الذي يوضع على هذه المعاملات جزءا لا يتجزأ منها، بحيث لا يعتد بأي توكيل عام أو خاص أو بشيك او سند مالي بدون وجود تاريخ مثبت عليه بوضوح وبغير شطب او تعديل، ولا ننسى ذلك الحكم الشهير الذي تم نقضه لعدم احتوائه على ما يبين تاريخ صدوره.
كما نحتفل كذلك، أفرادا ومؤسسات، بتواريخ ميلادنا او مناسبات تأسيس شركاتنا ومشاريعنا الانسانية والاقتصادية والاعلامية وغيرهاِ ويلعب التاريخ دورا كبيرا في كل جزء من حياتنا سواء ما تعلق منه بالأمور المالية كنهاية او ابتداء السنة المالية لعشرات آلاف الشركات، وغيرها من المؤسسات او لعلاقة التاريخ بمختلف أنشطتنا اليومية والسنوية.
وحيث ان كل ذلك يتم بالتاريخ الميلادي التي درجت الدولة على اتباعه في كل مواثيقها ومراسلاتها منذ بداية نشأتها الحديثة، فان بداية السنة ونهايتها أمر لا يجب اغفاله بأي شكل من الاشكال، خاصة أن الامر يتعلق بمناسبة اتفق عليها العالم بمختلف شعوبه ومشاربه ودياناته ومعتقداته، لا فرق في ذلك بين البوذي والمسيحي والمسلم والهندوسي، وبين اليابان واستراليا وموزمبيق واميركا، وعلى الاحتفال بها بمختلف الطرق، وربما كان تعطيل المصالح الحكومية والشركات والمؤسسات في هذا اليوم بالذات الذي اتفق العالم اجمع عليه، أكثر مظاهر الاحتفال بالسنة الجديدة بساطة واتباعا.
وعليه كان مستهجنا جدا ما قامت به الدولة في مثل هذا الوقت من العام الماضي من تأجيل الاحتفال برأس السنة الميلادية من الثلاثاء، الأول من يناير، الى السبت الخامس من يناير 2002(!!)، ولم يستسغ احد الحجج الواهية التي قيلت وقتها لتبرير ذلك التأجيلِ ولكننا لم نعلق على الموضوع وقتها لاعتقادنا بأن ما قيل عن ذلك القرار وما كتب عن سخافته ربما كان كافيا في جعل الحكومة تفكر مرتين قبل الاقدام عليه مرة أخرىِ ولكن، كعادتها في الاصرار قررت الحكومة، وبعناد واضح ومضر وغير مبرر، تكرار التجربة مرة أخرى والشذوذ عن كافة دول العالم وتأجيل الاحتفال ببدء سنة جديدة من حياتنا من الاربعاء، الاول من يناير، الى السبت الرابع من يناير، وهذا الأمر غير مقبول حتى على مستوى الاحتفال بعيد ميلاد طفل صغير.
لا أدري كيف يمكن تبرير هذا التصرف الذي يفتقد لكل ما له علاقة بالمنطق، وكيف يمكن ان نطلب من الناس الذهاب الى العمل في يوم يتوقف فيه كل شيء عن العمل في العالم أجمع، وبدون أي استثناء!.
ما هو أسوأ من ذلك في حقيقة الأمر، ان اليوم الأول في السنة الجديدة المقبلة سيكون يوم أربعاء، وهذا يعني ان الكثيرين سوف لن يعملوا في هذا اليوم، وان عملوا فبهمة قليلة، وسيترك غالبية موظفي الدولة مكاتبهم قبل نهاية دوام العمل بساعات، خاصة ان الكثير من الشركات والمؤسسات سوف لن تعمل في هذا اليوم أصلا، ولقد رأينا هذه الظاهرة بوضوح في بداية العام الحالي حيث كان يوم الاول من يناير يوما ضائعا من جميع الجهات، وهذا يعني ان يوم عمل اضافي، وهو السبت، سيضيع من الجميع بدون أي مبرر!.
اننا لا نطالب الحكومة بتغيير رأيها، بعد ان اصبحت مطالباتنا اكثر من ممجوجة، ولكن نتمنى أن تمتلك نصف هذه الجرأة في الكثير من الأمور الاكثر اهمية والاكثر خطورة من 'قضية' محاربة احتفال 'البشر' بالسنة الجديدة، خاصة ان الرغبة العارمة في تأجيل احتفال الناس بالسنة الجديدة اعتمدت على قرار برغبة صدر عن أحد النواب، وهو ليس بقانون وليس قرارا وزاريا لا يمكن العمل بخلافه.
إن الكيدية والنكاية في الموضوع واضحتان، والأمر لا يحتاج الى تعليق اكثر من ذلكِ وبهذه المناسبة يسعدنا جدا أن نهنئ اتباع الطائفة المسيحية من المواطنين والمقيمين وقوات الدول الصديقة بحلول عيد الميلاد المجيدِ كما نهنئ اقباط مصر في الكويت على القرار الجمهوري بتكريس يوم السابع من يناير من كل عام، والذي يمثل، حسب التقويم القبطي يوم ميلاد المسيح، عيدا رسميا للدولة في مصرِ وهذه هي روح التسامح التي نطالب بها، ليس مع الغير فقط، بل على الاقل مع أنفسنا وأهلنا وأقاربنا.