عمار يا البصرة
حدثت هذه القصة قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، عندما كنت في زيارة للبصرة، وكانت هذه في عزها وعمارها.
وقفت بسيارتي الى يسار الشارع بجانب الرصيف أمام إشارة المرور الحمراء، وفجأة اقترب شرطي المرور، الذي كان يقف بالقرب مني ومد يده داخل السيارة وأمسك بطرف حزام الأمان الذي كنت اضعه، والذي كان استعماله وقتها، أو حتى وجوده، في أكثر السيارات نادرا، وشد الحزام لجهته الى أقصى حد وتركه ينطلق نحوي بسرعة كبيرة وهو يقول: 'يابه مفكر حالك راكب طيارة!'.
تذكرت تلك 'الحجاية' بالأمس وأنا واقف على الرصيف لأكثر من نصف ساعة أراقب حركة المرور التي تجمعت أمامي في الشارع الموازي لمدرسة عبدالله الجابر الصباح في منطقة الروضة، واكتشفت، بالورقة والقلم، وبعد مرور 34 سنة على قصة ذلك الشرطي البصراوي الجاهل، اننا، بشكل عام، وبعد مرور كل تلك الفترة وما تخللها من تربية وتعليم وسفر ومعرفة وغرامات وقوانين مرور وتجارب حياة، لا نزال، نسبيا، أجهل منه بكثير!.
فقد لاحظت ان أكثر من 90% من السائقين وأولياء الأمور، والأمهات بالذات، الذين تواجدوا في تلك المنطقة لأخذ أولادهم من المدرسة كانوا من غير مستعملي أحزمة الأمان! والأسوأ من ذلك سماح الغالبية لأبنائهم وفلذات أكبادهم الصغار بالجلوس في المقاعد الأمامية دون أي حماية تذكر!.
ما صدمني أكثر، الصدود الذي لقيته عندما حاولت التدخل اكثر من مرة ولفت نظر الأمهات، بكل لطف، الى خطورة السماح لأطفالهم بالجلوس في المقاعد الأمامية، أو حتى الطلب منهم ربط حزام أمان اطفالهم ان هم أصروا على التواجد في المقعد الأمامي، وقد اضطررت للكذب لتبرير تدخلي بالقول انني فقدت أحد ابنائي في حادث مرور نتيجة تركه يجلس في الأمام! ولكن عدم المبالاة والصد كانا الجواب الذي رأيته، أما السمع فلم يأتني منه شيء!.
ان ما يحدث في شوارع الكويت، ومن طبقة تعتقد انها متعلمة، ومن جميع الجنسيات، بعد ان اصبح المقيم 'اياه' ينافس الكويتي في الرعونة وقلة الأدب في القيادة والتصرف على الطريق العام، يدل على الدرك الأسفل الذي وصلت اليه أخلاقيات الكثيرين منا.
ان ترك الأمر لأولياء الأمور الجهلة والتقصير في تطبيق المخالفات عليهم سوف يعرض الدولة، ويعرضهم لمختلف الحوادث المؤسفة والخسائر المادية الباهظة، وعليه، مطلوب من الإدارة العامة للدوريات الشاملة ارسال دورية واحدة للمدرسة الواحدة ولمرة واحدة فقط في العام الدراسي لتقوم بضرب أولياء أمور هؤلاء الأطفال على 'جيوبهم' وتوقيع الغرامات العالية عليهم لكي يتعلموا كيفية حماية فلذات أكبادهم.
ملاحظة:
صدر أكثر من فتوى، ومن أكثر من طرف تفيد بأن عدم التقيد بقوانين المرور يعتبر مخالفة للشرع! وليس هناك ما هو أدل على جهلنا وتخلفنا من ان يكون الواحد منا بحاجة الى فتوى دينية لكي يكتشف ان الالتزام بقوانين المرور فيه محافظة على حياتنا وحياة من نحب، ناهيك عن حياة الآخرين!.