القلق الحقيقي
نمت في دول منطقة الخليج مجموعة من الصناعات التي من الممكن ان يكون لها شأن في تنويع مواردها المالية، هذا في حال اتاحة الفرصة لهذه الصناعات لكي تنمو وتتقدم وتصمد امام زحف المنتجات الآسيوية والصينية بالذات، الأرخص ثمنا ولكن الأقل جودة.
* * *
نقوم باستيراد مجموعة من المواد الطبية والاستهلاكية من عدد من المصانع في دول الخليج، ونقوم بتوريد هذه المواد، بموجب عقود سنوية ملزمة، لعدد من الوزارات والشركات.
وعلى الرغم من ارتفاع اسعار منتجات هذه المصانع مقارنة بمثيلاتها المنتجة في الدول الآسيوية، الا ان قرب مناطق انتاجها وسهولة وصولها بواسطة الشاحنات الى الكويت جعلها اكثر جاذبية من ناحية شروط وجزاءات الوفاء بعقودها مع وزارات الدولة، ولذلك لم نتخلف قط عن الوفاء بتعهداتنا لعملائنا والتسليم في المواعيد المحددة.
انتابني قلق شديد قبل يومين عندما استلمنا رسالتي فاكس من مورد لنا في البحرين وآخر في الشارقة يفيداننا بأنهما، وبسبب تباطؤ معدلات الانتاج في شهر رمضان، سوف لن يتمكنا من الوفاء بتعهداتهما لنا، وان التسليم سيتأخر لبعض الوقت، مما يعني بصورة مؤكدة فشلنا في الوفاء بتعهداتنا للجهات الرسمية المطلوب التوريد لها، وذلك للمرة الاولى منذ اكثر من عشر سنوات!
مصدر قلقي الشديد لا يعود فقط الى الغرامات المالية التي سيتم توقيعها علينا، وما يعنيه عدم الوفاء بتعهداتنا من اساءة الى سمعة اجتهدنا كثيرا في الاحتفاظ بها طوال سنوات، بل الاهم من ذلك ما اصبح يعنيه شهر الصيام، وخاصة في تلك الدول الوليدة في الصناعة، من معان سلبية تتعلق بتفسيرات غير عملية للفروض الدينية، وهو الامر الذي لم نكن نألفه من قبل.
ان من الخطورة بمكان تحريف معاني هذا الشهر، وربطه مباشرة بقلة ساعات العمل والتباطؤ في الاداء في ما تبقى من وقت مخصص للانتاج الاداري او الصناعيِ ومن الافضل عدم تغيير ساعات العمل لاي جهة كانت وترك امور الحياة تسير على طبيعتها، حيث ان ساعات العمل الحالية لا علاقة لها بالصيام من عدمهِ ومن المؤسف حقا ما اصبحنا نسمعه بصوت عال من مواطني مختلف الدول المتقدمة، بعد انه كان همسا قبل سنوات، من ان من غير المجدي محاولة زيارة او التعامل مع الدول الاسلامية بشكل عام خلال شهر رمضان، حيث تتوقف في هذا الشهر الحياة عن دورانها ويصبح كل شيء مشلولا (!)، وربما لهذا اراني اجد كل العذر لذلك العسكري الكويتي الذي لم يحاول ايقاف السيارة المدنية مجهولة الهوية التي قامت بعبور اخطر نقطة حدود لنا مع العراق، لانه كان، ببساطة شديدة، نائما (!) فالوقت الذي وقعت فيه الحادثة لم يكن يتجاوز السادسة صباحا بكثير، وهو وقت يفترض ان يكون فيه كل كويتي، وكويتية، طفلا كان او بالغا، راقدا او نائما، طبقا لعاداتنا وتقاليدنا الجديدة، والتي دفعت الناس قسرا للسهر وتضييع الوقت في الاكل والحديث الفارغ.
***
ملاحظة:
في خطوة ذكية وعملية جدا قررت دولة الامارات، التي اصبحت في هذه الايام سباقة في الكثير من الامور، اعتبار يوم التاسع والعشرين من رمضان، وفي كافة الاحوال والسنوات، عطلة رسمية واضافة اليوم الى عطلة العيد، سواء اكتمل الشهر او لم يكتمل.
وهكذا استطاعوا التغلب على مشكلة الارباك التي عادة ما يواجهها الموظفون والعمال من جهة، وارباب العمل من جهة اخرى، في كيفية تحديد بدء عطلة الاعياد ونهايتهاِ فكرة نهديها لديوان الخدمة المدنية آملين تطبيقها من العام المقبل.