الادارة المخدرة (1)
كنا في زيارة شبه رسمية، قبل اشهر، مع وفد جمعية الصداقة لوزير الداخلية عندما قطع احد مساعديه اللقاء علينا ليهمس في اذن الوزير ببعض الكلمات، وهنا رأيت عينيه تلمعان ببريق غريب، وأساريره تنفرج عن ابتسامة ملأت وجهه، وقال لنا، بمجرد أن غادر مساعده الغرفة: ان ابناء الوزارة قد نجحوا لتوهم في القبض على واحدة من أخطر عصابات المخدرات، والتي كاد أفرادها ينجحون في ادخال نصف طن من المخدرات إلى البلاد.
سرحت قليلا، وأخذت أفكر في كل اولئك الجنود المجهولين من قوات مكافحة المخدرات الذين يعرضون، في كل يوم، وفي كل عملية مكافحة، ارواحهم للخطر من أجل انقاذنا جميعا من شر هذه السموم الفتاكة، وربما يعتصر الألم قلوبهم لشعورهم بأن ارادتهم مقيدة الى حد كبير، وبأن بامكانهم فعل الكثير، لو اتيحت الفرصة لهم.
نشرت الزميلة 'الانباء' ملخصا للتقرير النهائي، الصادر عن لجنة التحقيق البرلمانية، عن مشكلة المخدرات في الكويتِ وعلى الرغم من افتقار التقرير إلى الكثير من الاسس والعوامل التي تجعل منه 'تقرير لجنة تحقيق' الا انه يحتوي على حقائق مرعبة ومعلومات خطيرة تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن الخلل كويتي، والمروج كويتي، والتاجر كويتي، والمدمن كويتي، والمهرب كويتي! وأن كل ما نراه من عمليات استفراغ وتغوط غير كويتية لا تشكل الا قمة جبل الجليد الغاطس تحت الماء.
وقبل البدء في التعليق على التقرير، يجب ان نعترف أولا بأننا، وطوال الأعوام الثلاثين الماضية، لم نتعلم الكثير من الدروس والعبر التي مرت بنا على الرغم من ان الكثير منها قد تكرر حدوثه المرة تلو الاخرى.
عندما يعلن الكثير من دول العالم، الكبيرة منها والصغيرة، الفقيرة منها والغنية، عن عجزها شبه التام عن القضاء، ولو بشكل جزئي، على جريمة تجارة المخدرات اما بسبب فساد انظمتها القضائية وخراب أجهزتها الأمنية المخترقة، أو عجزها عن حماية حدودها الجغرافية الشاسعة، وقوة وسطوة عصابات المافيا فيها، فاننا عادة ما نتفهم ظروفهاِ ولكن لا يمكن في جميع الاحوال اخلاء أي حكومة من مسؤولية حماية شعبها من أي خطر كان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتجارة المخدرات، التي تتجاوز خطورتها الكثير من الامراض القاتلة بمراحل.
ولكن ما هو عذرنا في الكويت، ونحن نرى ما اصبحت تفعله المخدرات بنا وبأبنائنا في كل يوم بل وفي كل لحظة؟ وكيف يمكن ان نصدق ان من المستحيل الحد من خطر هذه الجريمة وعددنا، مواطنين ومقيمين، لا يتجاوز المليوني نسمة بكثيرِ وكيف يمكن أن نصدق ان من الصعب مراقبة حدود الدولة ومساحة ارضنا لا تتجاوز 15 كيلو مترا مربعا بكثير مع محدودية عدد منافذنا الرسمية مقارنة بالدول الاخرى التي يزيد عدد موانئها البرية والبحرية والجوية على عشرات الآلاف؟.
وكيف يمكن ان نقبل بوجود مئات الهاربين من وجه العدالة من المحكومين بالاتجار بالمخدرات بيننا ولا نعرف عنهم شيئا، وبلادنا مسطحة جرداء وخالية من المغارات والغابات، ولا أدغال ولا جرود جبلية لدينا يمكن ان يلجأ اليها هؤلاء المجرمون؟ِ ولماذا كل هذا التسيب على الرغم من اننا نعيش في حالة طوارئ واستنفار أمني منذ أكثر من 12 سنة؟!.