تهريب الرمال الناعمة

جرت احداث هذه القصة قبل فترة طويلة على نقطة الحدود بين بلدين، يتبع احدهما النظام الاقتصادي الحر، والآخر يتبع نظاما موجها من الدولة.
*¹*¹*
تفرس مفتش جمارك المدينة الحدودية في وجه المسافر الشاب وسأله، بعد ان تفحص جواز سفره، عن محتويات الخرج المعلق خلف دراجته الرياضية، فقال انه يحتوي على رمل نظيف 'احضرته من البحر لكي يلعب به اولادي الصغار!'.
لم يصدق المفتش ادعاء المسافر، فقد مرت عليه انواع غير قليلة من الخدع والألاعيب المتخصصة في التهريب الجمركي، وطلب منه بحزم واضح تفريغ محتويات الخرج على طاولة تفتيش الامتعة لكي يتأكد بنفسه من محتوياته، توسل اليه المسافر وطلب اعفاءه من ذلك بحجة انه في عجلة من امره، وأن ابناءه الصغار بانتظاره، لكن توسلاته تلك لم تؤد الا الى زيادة اصرار المفتش على طلبه.
تحسس المفتش المتمرس محتويات الخرج قبل ان يفرغه، وفرك حبات الرمل الابيض بين يديه اولا وبين اطراف اصابعه، وقرب تلك الحبات الى انفه وشمها، ومد طرف لسانه الى راحة يده والتقط بعضا منها وحاول تذوقها، وخرج بنتيجة لم يكن يطمئن لها تفيد أن ما ذكر له صحيح.
بعد ان عجز المفتش عن اثبات عكس ما ادعاه المسافر تركه يدخل البلاد، تقابل الاثنان مرة اخرى وفي المركز نفسه بعد اقل من اسبوعين، وتكرر موضوع الرمل الابيض النظيف مرة اخرى وتكررت رواية الاطفال، لكن الشك الغريزي الذي امتاز به ذلك المفتش جعله يشعر بان في الامر شيئا لا يفهمه، هذه المرة على الاقل، ومن غير المعقول ان يكون المسافر صادقا هذه المرة ايضا.
تفحص الرمل وشمه وجال بيديه داخل الخرج، وفحص كافة اجزاء الدراجة، وتفحص بتمعن شديد جواز السفر، عندما لم يعثر على ما يريب تركه يدخل، بعد ان قام بمصادرة الرمل بنثره على ارضية المركز.
بعد مرور شهر على آخر حادثة تقابل الاثنان مرة ثالثة وتكرر الامر نفسه، وعندما لم يجد المفتش شيئا غير الرمل وامام اصرار المسافر على تكرار سرد روايته المتعلقة بحاجة اولاده للعب في رمل ابيض نظيف، وعجزه عن اثبات خلاف ذلك، قرر المفتش حجز المسافر في مخفر المركز لحين معرفة نتيجة فحص عينة الرمل التي ارسلت الى مختبر المخابرات العامة، بعد ثلاثة ايام في ضيافة مخفر الحدود بينت نتيجة الفحص ان محتويات الخرج لا تعدو ان تكون 'رملا ابيض ذا حبات صغيرة، يحتوي على نسبة عالية من الاملاح البحرية'! وذيلت نتيجة المختبر بملاحظة تطلب من مفتشي الجمارك تحري الدقة وتجنب تضييع وقت مختبر المخابرات العامة بارسال مواد ذات ماهية معروفة!.
سمح المفتش للمسافر صاحب الدراجة بدخول البلاد مرة ثالثة، وودعه مهددا بان مصيره سيكون سيئا ان ثبت عليه اي امر مخالف للقانون.
لم يمر شهر على آخر لقاء حتى تقابل الاثنان للمرة الرابعة، وتكرر سيناريو الشرح والتبرير، والرفض والتشكيك، ولكن هذه المرة لم يتمالك ضابط الجمارك اعصابه، وجر صاحب الدراجة من ياقته الى احدى غرف المركز الداخلية، وأشهر مسدسا صغيرا في وجهه وقال له بغضب وبصوت مرتفع: لقد حيرتني واربكتني وجعلتني مصدر سخرية زملائي في العمل، ولدى ضباط المخابرات، وهذه اهانة لا يمكن ان اتقبلها منك، وانت تعلم جيدا ان بامكاني القضاء عليك بطلقة واحدة ورميك للكلاب في الخارج، ان لم تخبرني بحقيقة امر ذلك الرمل اللعين!.
وهنا قال المسافر، صاحب الدراجة، بصوت يملأه الخوف، انه كان في حقيقة الامر يستغل انشغال ضابط الجمرك بتفحص محتويات الخرج ومعرفة حقيقتها ليقوم بتهريب الدراجات الرياضية.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top