ضغط دم غنيمة الخضر
نقلا عن الزميل مبارك العبدالهادي، نشرت 'القبس' في الصفحة الاولى من عدد 11/7 خبرا يتعلق بقيام وزارة الشؤون باغلاق ملفات عمل 1200 شركة على مدى السنوات الاربع الماضية، كما تم اغلاق اكثر من 200 ملف شركة ومؤسسة منذ بداية العام الحالي فقط، كما ان عدد العمال الذين تركتهم هذه الشركات سائبين في الشوارع قد تجاوز 15 الفا، ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة لاكتشفنا ان من تاجر في قوت هؤلاء وعرض امن البلاد وتركيبتها الاجتماعية للخطر قد كوفئ بمبلغ جاوز العشرة ملايين دينار قبضها على مدى 4 سنوات فقط دون بذل اي جهد ولو هامشيا، ويمثل هذا المبلغ ما تم استيفاؤه من هؤلاء العمال المساكين نظير جلبهم الى البلاد وتركهم في الشوارع.
ولو قمنا باجراءات حسابية بسيطة اخرى لمعرفة عدد الشركات المخالفة في السنوات العشرين الماضية فقط، وعدد ما جلبته من عمال لوصلنا الى مبالغ فلكية.
والسؤال الذي يثار في هذه الحالة: هل كان كل هؤلاء الناس وكل تلك الشركات والمؤسسات يجرأون اصلا على مخالفة قوانين البلاد، وتعريض امنها الوطني للخطر لو كانوا يعلمون حقا ان القانون سيطبق على الجميع في نهاية الامر؟
ولماذا لم تتم معالجة هذا الامر سوى باغلاق ملف الشركة او المؤسسة المخالفة، ليقوم صاحبها في اليوم التالي او في اليوم نفسه بعمل اقامات على مؤسسة اخرى يمتلكها؟ وكيف يمكن لدولة، تدعي السيادة واحترام الذات، وعلى مدى ثلاثين عاما او يزيد، التخاذل عن اتخاذ اي اجراء جدي في حق المتاجرين بقوت الفقراء وسالبي حرياتهم والعابثين بأمن الوطن، بالرغم من ان اسمائهم معروفة للكثيرين؟
وهل الخطأ هو خطأ المواطن فقط؟
وألم تشارك الحكومة، في سعيها طوال السنوات الثلاثين الماضية الى شراء ذمم وولاء مختلف الجماعات ونواب مجلس الامة، بغض النظر، او التسهيل لهم علنا، باستقدام آلاف العمال بحجة او من دون حجة، وقبض الملايين من وراء هذه التجارة المحرمة دينيا واجتماعيا وامنيا واخلاقيا وانسانيا؟
وكيف يمكن للوزارة والحكومة ومجلس الامة بالذات، الذي يعتبر الرقابة على اعمال الحكومة مهمته الاولى والاهم، القبول باستمرار لعبة اغلاق الملفات واعادة فتحها او فتح غيرها واستمرار اللعبة القذرة بين المتنفذ والاداري المسؤول في وزارة الشؤون؟
ألا يمثل هذا الوضع المأساوي الذي نعيش قمة التسيب الاداري، وانعدام الاحساس بما يمثله من خطر حقيقي على البلاد؟
لو كنا في مكان السيدة غنيمة الخضر، رئيسة الجهة المسؤولة عن اوضاع الشركات المخالفة، لاصبنا بمختلف امراض التشنج والضغط النفسي وقلة النوم والغضب السريع وارتفاع ضغط الدم، وغير ذلك من الامراض والاوجاع التي نتمنى ان تكون في مأمن منهاِ ان الشرهة ليست فقط على المتاجرين باقامات العمال ومصاصي الدماء منهم، ولكن على من سمح بان يغلق 1200 ملف في السنوات الاربع دون ان يرتدع او يخاف أحد من سوء العاقبة، والدليل على ذلك استمرار، لا بل تزايد، اعداد العمال المخالفين في شوارع المدينة وضواحيها الى درجة خطيرة.
ان ما يجري لا يعدو ان يكون تحطيما بطيئا، ولكن مؤكد، لأسس الدولة الحديثة وعوامل استمرارها، وربما وجودها، ولكن على من نقرأ مزاميرنا، فالحلول واضحة ولكن يبدو ان لا حياة لمن تنادي!