كيف يدخل الابراهيم التاريخ مرتين؟
اتهم وزير المالية، السيد يوسف الابراهيم، من بين ما اتهم به، بانه، رغم نظافته، الا انه ضعيف وانه غير قادر على مواجهة الخطوب، وغير صدامي، ويسعى للحلول الوسط! وكدت ان اصدق ذلك واؤمن به، لا لشيء، إلا لميل الناس عموما لوصف الانسان المهذب بانه ضعيف.
ما ان دخل الابراهيم معمعة الاستجواب وما تبع ذلك من طرح الثقة به، حتى اثبت هذا الانسان انه ابعد ما يكون عن الضعف، وانه قادر على مقارعة الخطوب كأحسن ما يكون، وقد اهلته الطريقة، التي استطاع بها ادارة الاستجواب، لدخول التاريخ السياسي من اوسع ابوابه، حيث ان وقائع وملابسات ذلك الاستجواب ستكون ماثلة في اذهان الكثيرين لفترة طويلة قادمة، وخاصة ذلك الخزي والعار الذي لحق بأسماء وجهات لم تكن تريد الخير يوما لهذا الوطن اصلا.
يعلم السيد الابراهيم جيدا انه ليس وزير المالية الوحيد الذي دار لغط كبير حول طريقة ادارته لاكثر وزارات الدولة حساسية وتشعب مصالح، لكن تعرضه لموضوع ذلك الاستجواب غير الاخلاقي والشرس، جاء بسبب سوء التوقيت، عندما وجد نفسه في مرمى نيران الطرفين الكبيرين المتقاتلين، فاصبح ضحية 'بيت العز'! كما وصف الوضع بشكل دقيق النائب السيد حسين القلاف.
يشرف وزير المالية بصفته السياسية على عدد كبير جدا من الاجهزة والمؤسسات ذات النفوذ المالي والوظيفي وحتى الامني الواسع، فهو مسؤول عن البنك المركزي، وسياسة الدولة المالية، وتحصيل ايراداتها، وادارة مديونيات عدد كبير من مواطنيها، ويشرف كذلك على الخطوط الكويتية، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، والهيئة العامة للاستثمار، وبنك التسليف، وادارة املاك الدولة، المسؤولة عن القسائم الشاليهات والجواخير، اضافة الى اشرافه شبه المباشر على مجموعة كبيرة من مجالس ادارات الشركات، سواء تلك المملوكة بالكامل للحكومة او مختلطة الملكية، ويقوم كذلك، وبشكل منفرد سنويا بتعيين وانهاء عقود عشرات الاداريين الكبار في مختلف المناصب، ويتحكم بحكم منصبه في الكثير من المقدرات المالية للبلاد.
وبسبب كل هذا التشابك والنفوذ غير المحدود، فان وزير المالية، ايا كان، مخير بين امرين احلاهما مر: فإما النجاة بالنفس ومسايرة كافة اصحاب النفوذ وتلبية مطالبهم جميعاِ وتوزيع العطايا والمنح والاعفاءات عليهم، وتعيينهم واصحابهم واقرباؤهم في مختلف المناصب، وافادة نفسه في الوقت نفسه، وإما الالتزام بالقوانين والضوابط الادارية حرفيا، وعدم التساهل في اي امر من الامور، مهما كان نفوذ وقوة الطرف الآخر، وبالتالي تحمل تبعات هذا الموقف ومواجهة اسئلة واستجوابات اعضاء مجلس الامة من جهة، واغضاب ولاة الامر من جهة اخرى، بسبب الظروف الاستثنائية التي نعيشها منذ الاستقلال، والتي تتأرجح بنا تارة بين الدولة الدستورية وتارة اخرى بين دولة النفوذ الشخصي والمطالب الخاصة.
وللخروج من هذا الوضع الشاذ، فبامكان الوزير الابراهيم دخول التاريخ مرة اخرى، وذلك بالعمل على تحويل هذه الوزارة متشعبة المصالح ضخمة المسؤوليات الى الدور الحقيقي الذي أنشئت من اجله اصلا، وهو وضع وتطبيق سياسات الدولة المالية، ووضع وتطبيق نظام ضرائب محكم يمكن عن طريقه سد العجز المستمر والمتراكم في موازنة الدولة، والعمل على حفظ الحد الادنى من الرفاهية لسكان الكويت.
من الواضح ان وضع وزارة المالية الحالي، الذي ينطبق عليه قول 'ان السلطة المطلقة تؤدي الى فساد مطلق'، وضع غير مقبول، وكان تغييره في عهود وزراء المالية السابقين شبه مستحيل، علما بأن حجم وزارة المالية لم يكن بمثل هذا الحجم الخرافي عند تأسيسها، كما ان حجم الاموال التي كانت تحت يديها في ذلك الوقت يعتبر صغيرا نسبيا.
كما ان اقتراح اجراء اي تغيير في الوزارة والسير به هو في يد من لا يرغب عادة في التخلي عن صلاحياته بسهولة، وحيث ان الفرصة متاحة الان امام الوزير الحالي لفعل الكثير، واخراج هذه الوزارة من وضعها الحساس والمثير للجدل، بما ان منصبها الرفيع غير دائم، وما كان ليصل ليديه لو دام لغيره، فاننا نتمنى عليه، وهو الاكاديمي القدير، المباشرة باسرع ما يمكن بالتخلص من مختلف المؤسسات والجهات التابعة له، اما بالخصخصة او بمنحها الاستقلالية التامة، او بالحاقها باحدى وزارات الدولة الاخرى، والتفرغ بالتالي لما تأسست الوزارة للقيام به في المقام الاولِ وهذه فرصة تاريخية قد لا تعوض، فمن هم بمثل صلاح ونظافة يد واخلاص السيد يوسف الابراهيم قلة، وهنا ايضا نحن نؤمن بمقدرة وشجاعة وقوة رأي هذا الانسان.
احمد الصراف