أين الحقيقة؟
من واقع ما عرف ونشر حتى الان، فإن من شارك في احداث الحادي عشر من سبتمبر، او من وقف وراءهم ماديا او معنويا، كانوا في غالبيتهم من سكان الكويت ومصر والسعودية واليمنِ ولو قمنا باجراء مقارنة بين اعداد سكان الكويت والسعودية واليمن ومصر لوجدنا ان عدد الكويتيين هو الاقل بينهم، فنسبتهم مثلا لا تتجاوز 12% من سكان مصر، ويمكن بالتالي الاستنتاج بان الكويت، نسبة وتناسبا، من اكثر الدول دعما، على الاقل بشريا، للارهاب في العالم.
الذي يجعل الامر اكثر تعقيدا ما يتمتع به الفرد في الكويت عموما من مستوى مادي مرتفع مقارنة بمواطني الدول الاخرى، اضافة الى تمتعهم بهامش حرية، حركة وقولا، يتجاوز بكثير الهامش الذي يعيش ضمنه مواطنو الدول المعنية الاخرى.
وعليه فقد شكل انتماء هذا العدد الكبير من المتطرفين والمهووسين الدينيين للحركات الارهابية العالمية صدمة لكل من لم يكن على اطلاع تام بالاوضاع الداخلية التي مرت بها هذه الدولة الصغيرة في السنوات الخمسين الماضية، ومنذ تأسيس جمعية الارشاد الاسلامي ـ فرع الاخوان المسلمين في الكويت ـ او بصورة اكثر دقة منذ تحالف قوى التخلف والردة مع بعض القوى في السلطة الباحثة عن الشعبية والدعم الحزبي الديني.
سنتفق مع الحكومة الرشيدة بأن المدعو خالد الشيخ محمد 'البلوشي' والمتهم بأنه العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر، ليس كويتيا (!!) ولكن هل من السهل ان ننكر انه لم يسبق له ان عاش في الكويت لفترة طويلة، وانه لم يلبس 'دشداشة وعقال وغترة' اهلها ويربي لحية تشبه لحية بعض المنتمين لاكثر احزابها الدينية تطرفا؟ وهل من السهل ان ننكر انه تعلم في بعض مدارسها الف باء التطرف ورضع من اثداء جمعياتها الخيرية نظريات القتل والتدمير، ونهل من علوم بعض مساجدها ما تدعيه من اننا الاحسن والاطهر والأخير والابرك في الدنيا، اما الاخرون، والى اي جنس او دين انتموا، ما هم الا الادنى؟
نستطيع، شعبا وحكومة، ان ننكر ما نشاء فيما يتعلق بعلاقة خالد الشيخ بالكويت وجنسيتها، ولكن ليس من السهل ان ننكر انه لم يترب في مجتمعها، او ان ننفي ان ما يحمله، هو أو غيره، من فكر متطرف ما هو الا نتاج ما وفره هذا المجتمع له ولامثاله من المتطرفين، من قوة مالية وفكر ديني شجعاه على اباحة قتل الابرياء لمجرد انتمائهم لدين أو فكر مختلف.
نتفق مع وزير الاعلام في نفيه ان ليس كل من يولد في الكويت يعتبر كويتيا، فالكويت، من هذه الناحية على الاقل، ليست اميركا، ولكن هل كان من الممكن ان تفرز هذه الارض، أو هذا المجتمع، امثال خالد الشيخ محمد، او غيره من المتطرفين الدينيين لو لم تتوفر له، ولا تزال تتوفر لغيره، البيئة الصالحة لمثل هذا النوع من التطرف الخطير؟ وهل لا نزال نصر، وبعد كل ما حدث، وبسذاجة منقطعة النظير، ان جمعياتنا الخيرية لا هم لها غير حفر الآبار هنا وبناء المساجد هناك، والتركيز على تعليم اصول الدين واجراء مسابقات تحفيظ القرآن الكريم؟ وهل يصدق عاقل ان الامن مستتب وان السلطات تعرف كل شاردة وواردة، وان مسؤولي جمعياتنا الخيرية وممثليهم في المجلس النيابي ما هم الا مجموعة من التجار ومن الباحثين عن المصالح الدنيوية، ولا هم لهم غير عقد صفقات الاسلحة والحصول على مناقصات التوريد، والتصميم الهندسي والاستشارات الادارية؟ وهل هي الصدفة، ولا شيء غير ذلك، التي جعلت الكويت، هذه الدولة الصغيرة، مساحة وعددا والآمنة، وذات المستوى المعيشي المرتفع، الوطن الذي أنجب الناطق الرسمي لأكثر التنظيمات الدينية دموية وشرا، وخطرا على الجنس البشري، وكانت في الوقت نفسه الحاضنة والمربية للمتهم بانه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر؟
هل هي الصدفة فقط؟
أحمد الصراف