التأكيد على الوسطية
هذا مقال مستوحى من مقال سبق ان كتبه توماس فريدمان في 'نيويورك تايمز'، تخيل فيه قيام الرئيس الاميركي جورج بوش بتوجيه رسالة شخصية لوزير أوقاف دولة خليجية:
'أنا متأكد بأنكم ستجدون ان من المستغرب استلامكم لرسالة مني، فقد جرت العادة على إرسال كتب لوزراء النفط، حيث اننا كنا ننظر لكم فقط كدول منتجة لتلك المادة، ويجب بالتالي الدفاع عنها، ولم يخطر ببالنا قط ان علينا التعامل معكم بجدية أكبر خارج نطاق هذا الموضوع.
ولكننا تعلمنا من الهجوم الارهابي الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر ان وزراء الأوقاف والشؤون الاسلامية والتربية والتعليم هم من يجب ان نخاطب، وان من قام بتلك العمليات كان من خريجي المدارس والصفوف الدينية التي تشرف عليها عادة هذه الوزارات في دولكم، ولكن دعونا نوضح بعض الأمور المهمة:
ان اميركا لم تقرر فجأة معاداة النظم المحافظة في الخليج، كما ان ليس في الأمر مؤامرة صهيونية قد تؤثر على علاقاتنا معكمِ كما ان هناك، وهذه حقيقة، اعترافا تاما من قبلنا بأهميتكم كحلفاء للولايات المتحدة، وان الكثير من أبنائكم قد درسوا في مدارسنا وأصبحوا موالين لناِ والأهم من ذلك اننا نعلم جيدا انه يستحيل علينا محاربة الارهاب من غير مساعدتكم القيمة، سواء كممثلين لكتلة عربية واسلامية مهمة أو لوجود الكثير من المقدسات الدينية في أراضيكم، اضافة الى ما تقومون بتقديمه من دعم مادي كبير للكثير من المدارس الاسلامية والمساجد في كافة دول العالمِ وباختصار، فإن جهودنا سوف لن تكون فعالة من غيركم.
وحيث اننا ذكرنا ذلك، فإن من المهم ان نوضح أنكم ترتكبون خطأ مميتا لو اعتقدتم ان لا مشاكل بيننا، أو ان الأمر لا يحتاج الا الى بعض العلاقات العامة والاتصالات مع النخبة في واشنطن وستسير الأمور بعدها الى الأحسن.
ان لديكم في حقيقة الأمر مشكلة مع الشعب الاميركي الذي اصبح، بعد الحادي عشر من سبتمبر يعتقد، والخوف يعتريه، ان مدارسكم وآلاف المدارس الاسلامية التي تقوم حكوماتكم و'جمعياتكم الخيرية' بالاشراف عليها وتمويلها حول العالم، هي التي تقوم بترويج فكرة ان غير المسلم هو من مرتبة أدنى، وعليه، يجب إما تحويله إلى الإسلام أو مواجهته والقضاء عليه!.
اننا لا نستطيع ان نعلمكم كيفية تعليم ابنائكم، ولكن نستطيع ان نخبركم ان آلاف الأطفال الاميركيين أصبحوا اليوم أيتاما، لأن آباءهم فقدوا في عملية ارهابية قام بها مسلمون متطرفون يبررون القتل الجماعي باسم الدين.
كما اننا لا نستطيع ايضا ان نعلمكم كيفية تعليم ابنائكم، ولكن نستطيع ان نخبركم اننا بحاجة، وفي عالم غريب مثل الذي نعيش فيه والذي اصبح بإمكان الأفراد العاديين فيه الحصول على أسلحة الدمار الشامل، لكي تقوموا بترجمة الاسلام بصورة تحث على تقبل الآخر وتدعو لنشر هذا الدين العظيم بصورة سلمية.
وإذا لم يكن بإمكانكم فعل ذلك فهذا يعني اننا في مأزق، وستصبح بلادكم بالنسبة لنا، كما كانت الحال عليه في حربنا ضد الشيوعية عندما كان الاتحاد السوفيتي مصدر التمويل والعقيدة والبشر المعارضين لنا.
ما يشجعنا هو اننا نرى تفهمكم لهذا الأمر والى ما تقومون باتخاذه من خطوات للحد من التطرف في مساجدكم ووسائل اعلامكم، وما أصبحتم تقدمونه من ارشادات لرجال الدين لديكم تتعلق بضرورة التأكيد على التوسع التدريجي في زرع مبدأ الوسطية والاعتدال الذي يدعو إليه الاسلام والذي نعتقد انه متى ما تم التأكيد عليه فإن الأمور الأخرى ستتبعها تباعا.
لقد سررنا لقيام أكثر من رجل دين مسلم كبير بتجريم الأعمال الانتحارية التي تؤدي لقتل الأبرياء، والقول ان الاسلام يرفضهاِ كما نود ان نرى التأكيد على مثل هذه الأقوال في الكتب والصفوف المدرسيةِ ونود في هذه المناسبة دعوتكم لزيارة اميركا والاطلاع عن كثب على كتب مدارسنا العامة واعلامنا في حال وجود أي أمور تعتقدون انها مناهضة أو معارضة للإسلام.
تعتبر الطريقة التي نعلم فيها أولادنا في عصر العولمة هذا من الأمور الاستراتيجيةِ ولقد تعلمنا في التسعينات ان برنامج كمبيوتر خاطئا في دولة ما من الممكن جدا ان يؤثر على محفظة ال 'وول ستريت'ِ كما تعلمنا ايضا بعد الحادي عشر من سبتمبر ان نظاما تعليميا خاطئا في دولة أخرى من الممكن ان يحطم ال 'وول ستريت' بكامله!.
نعلم جيدا ان موضوع القضية الفلسطينية مهم جدا بالنسبة لكم، ولكن ليس بإمكانكم في هذا السياق القول ان على اميركا تقع مسؤولية التصرفات الاسرائيلية، في الوقت نفسه الذي تقولون فيه ان ليس من حقها التدخل في شؤونكم، أو في الكيفية التي تتصرفون بها أو تقومون بها بتعليم ابنائكم، وهو الأمر الذي تسبب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في قتل أربعة آلاف اميركي.
اننا لا نرغب في كسب عداوتكم كما لا نرغب في معاداة الإسلام، ولكننا نسعى لثورة ضمن الاسلام، ثورة ضد رفض الآخر وضد التطرفِ نريدكم ان تكونوا صوتا نسمعه نحن وكل المسلمين ينادي بالاعتدال، ولكننا سنستمع فقط لما سترغبون في قوله عندما تتكلمون عن أنفسكم بأمانة وصدق تامين، حظا سعيدا'.