اين كنت يا فاطمة حسين؟
انتهزت فرصة قيامي برحلة عمل لبضعة ايام، ورغبة مني في التفرغ لقراءة كتاب كان في بالي منذ فترة قصيرة، ورغبة مني في قراءته بتمعن ودون سلق، فقد مررت بمكتبة في طريقي إلى المطار واشتريت كتاب فاطمة حسين 'أوراقي'.
تنقلت معها ومن خلال صفحات الكتاب بين حواري الكويت وسكيكها وشممت عبق البخار الذي كان يخرج من الارض كلما روتها سيارات البلدية، واستعادت ذاكرتي سوق اللحم والدهن وشريط محلات الصرافين وزفارة سوق السمك ورائحة أوحالة السوداء التي لم اكن اطيقهاِ وضحكت كثيرا وانا اقرأ تجربتها الأولى مع الطبخ ومع ال prime rips!
وسيطر الألم علي وانا انتقل معها من فجيعة لأخرى، وعشت معها من خلال صفحات الكتاب ايام الاحتلال القاسية وما كانت تعنيه من قهر للنفس وهلع في المعيشة وصدمة في القلبِ وتساءلت معها، ونحن في المؤتمر الوطني في جدة، بالرغم من اننا لم نتحدث مع بعضنا البعض هناك، عن سبب غياب المرأة الأم والاخت والابنة والزوجة والصديقة وممثلة الشهيدة والاسيرة والمقاومة عن فعاليات تلك المناسبة الوطنية المشرفة!! ولم اجد جوابا حتى اليوم.
التقيت بفاطمة حسين اكثر من مرة، ولكن كانت في غالبيتها لقاءات سريعة وعابرة.
وجمعني معها وآخرين عشاء طيب في لندن قبل سنوات، وصدمتني وقتها آراؤها في الكثير من الامور الحساسة، وكنت اتوقع، أو اعتقد، بانها اكثر راديكالية وتطرفا في آرائها، فالصورة التي سبق ان كونتها عنها في ذهني كانت توحي لي بذلك، أو ربما هذا ما كنت ارغب في سماعه منها!! ولكن ما ان انهيت قراءة سيرتها الذاتية والتمعن بصورة الغلاف التي تبين كم هي متواضعة بكبرياء وبسيطة باناقة وهادئة بعنفِ وادركت انني ظلمتها عندما توقعت منها كل ذلك التطرف الذي لم تكن على استعداد له، أو راغبة فيهِ وبالرغم من فارق النوع وفارق السن البسيط بيننا الا انني شعرت بانها تتكلم بلساني وتشعر بشعوري، كما تبين من كتابها، دون ان تقصد ذلك او تسعى له، كم هي سيدة وكم هي مثقفة وكم هي ثرية في تجربتها الانسانية.
تحياتي لك يا سيدتي وشكرا لما بذلته من جهد لكتابة سيرتك الذاتية التي اثرتنا وامتعتنا باضعاف ما دفعنا في شرائها من ثمن مادي بسيط.
أحمد الصراف