تنظيم، تفعيل وتطوير
تفسر هذه الكلمات ما تسعى الحكومة لتحقيقه فيما يتعلق بعمل الأحزاب الدينية المسيسة والمتخصصة في جمع الأموال الخيرية وهو ما ورد في 'القبس' (30/9)، وكان من الأفضل ان يكون العنوان: 'تطنيش، تساهل، تهاون'!! فكل ما حدث في العالم في الأسابيع الأخيرة من اعمال ارهابية تقشعر لها الأبدان، وكل الدعوات والمطالبات التي تقدمت بها الولايات المتحدة لأصدقائها من دول العالم بضرورة مساعدتها في محاربة الارهاب بمختلف الطرق وأهمها تجفيف منابع ومصادر أموالها لم تجد أذنا صاغية لدى مسؤولينا.
لقد سبق ان عبنا على العديد من الدول الشقيقة والصديقة وقوفها مع المحتل العراقي اثناء فترة الغزوِ وكانت صفة 'منكر حسنه' او ناكري المعروف، من اكثر الصفات التي اطلقت في وصف تلك الدول الجاحدة، ولكن بماذا يمكن وصف موقفنا من مطالبات الولايات المتحدة بضرورة الوقوف معها، وهي ناصرتنا في احلك مراحل تاريخنا واكثرها مأساوية، ومساعدتها في مراقبة كافة الجهات التي تقوم بجمع وتحويل مئات ملايين الدنانير الى خارج البلاد وصرفها بالطرق التي تحلو لهاِ وهل يمكن وصف موقف حكومتنا بأنه منصف؟ الا يعتبر هذا الموقف نوعا من نكران الجميل تجاه صديق كبير وقف معنا ولم نفعل شيئا لمساعدته غير تشكيل لجنة مصغرة معروف مسبقا رأي رئيسها ورأي احد اهم اعضائها حيث انه عضو مؤسس في جمعية خيرية طرف في الموضوع؟!! وما يؤكد ان الأمر سوف لن يسفر عن شيء في نهاية الامر، كما 'بشر' بذلك الزميل حسن العيسى، مجموعة التصريحات التي صدرت في الأيام الثلاثة الاخيرة عن كبار مسؤولي الدولة، فقد أكد نائب رئيس الوزراء ان تفعيل الرقابة على العمل الخيري قرار اتخذ في وقت سابق وليس له علاقة بالتالي بالتطورات الدولية الأخيرة (القبس 30/9)!! وهذا يعني ان الطريقة القديمة وغير الحاسمة في المعالجة ستستمر لأجل غير مسمى.
وذكر السيد طارق العيسى، رئيس احدى الجمعيات المعنية بالأمر ان الجمعيات الخيرية تخضع للوائح واشراف وزارة الشؤون وتقدم لها كشوفا مالية كل عام!! ويعلم السيد العيسى جيدا عدم دقة هذا الادعاء، لكي لا نذكر وصفا اكثر حدةِ فتقديم كشوف بأسماء الاطراف التي تم تحويل مئات ملايين الدولارات لها، وهذا ما طالبنا به لفترة طويلة وتطالب به اميركا الآن شيء وتقديم موازنات مالية عادية سنوية شيء آخر!!
ومن الامور ذات الدلالة على عدم الجدية ذلك القرار الذي اعطى فيه مجلس الوزراء الجمعيات المخالفة مهلة ستة أشهر لتعديل اوضاعها!! ونحن نعلم أن امورا كثيرة ستحدث في الأشهر الستة المقبلة، وتعتقد الحكومة بأنها كافية 'لتمييع' الموضوع واعادته الى وضعه السابق!! ولا أدري لماذا تذكرت اجابة جحا عندما سخر الناس منه قبوله مواجهة الموت ان فشل في تعليم القراءة لبغلة أحد الخلفاء العباسيين!!
وذكر مصدر وزاري (الوطن 1/10) أن اللجنة المناط بها وضع تصورات تنظيم العمل الخيري ستقدم لمجلس الوزراء تقريرا حول خطة عملها وما ينبغي ان تحصل عليه (أي اللجنة، وليس القوات الاميركية) من تسهيلات لأداء مهمتهاِ وستقوم اللجنة بالتنسيق مع وزارة الخارجية تحديد أوجه توجيه الأموال خارج البلادِ واضاف المصدر ان اللجنة ستقوم بتفعيل قانون وزارة الشؤون الاجتماعية رقم 24 لعام 1962(!!) المتعلق بالرقابة على اعمال اللجان والجمعيات، وهذا اعتراف حكومي بأن القانون بقي 40 عاما بدون تنفيذ، ونخشى ان يبقى كذلك!!
وأخيرا اتضحت الامور بشكل لا يحتمل اي لبس عندما ذكرت 'القبس' (2/10) وعلى صدر صفحتها الأولى ان رؤساء اربع من اكبر جمعيات جمع الأموال وصرفها خارج البلاد كيف تشاء قد اجتمعوا بوزير الشؤون الاجتماعية وأبلغوه قلقهم مما يجريِ وذكر احدهم وهو السيد طارق العيسى، والذي سبق وان رحب بالرقابة الحكومية، بأن متابعة العمل الخيري في الخارج فوق قدرة سفارات الكويت، وتساءل: 'هل لدى السفراء القدرة على متابعة حفر الآبار وبناء المساجد'!!
فإذا كان كل هدف الجمعيات الخيرية من وراء تحويل مئات ملايين الدولارات الى خارج البلاد هو بناء المساجد وحفر الآبار فلماذا رفضت إذا، وطوال اكثر من 30 عاما، أن يطلع احد على سجلاتها وطرق صرف أموالها؟ هل لأن لهذه الآبار طبيعة استراتيجية وصفة عسكرية سرية بحيث تمتد بصورة أفقية (كالانفاق) بدلا من الآبار التقليدية؟.
ان الأمر لا يحتاج إلى كل التردد والحيرة، فما على الحكومة إلا إغلاق كافة الجمعيات واللجان الخيرية وتحويل كامل أرصدتها لبيت الزكاة، وليذهب المشرفون عليها لسابق أعمالهم!!
ولكنها السياسة ودهاليزها فهي الملعونة وهي المحيرة فعلا!!
أحمد الصراف