اللهم شتت جمعهم

لا شيء يجعلني اشعر بضآلة قدرنا وقلة حيلتنا وهوان احوالنا مثل عدد ونوعية ما تحتويه مكتباتنا من سخف الكلام وقلة المعرفة وكآبة ومحدودية المواضيع التي تحتويها كتبها، مقارنة بما هو موجود في مكتبات الدول الاخرى، ولن اصر هنا على الغربية منها.
تخرج مطابع اسرائيل سنويا ما يزيد عن ثمانية آلاف عنوان او كتاب في مختلف نواحي المعرفة، ولو طبقنا معادلة النسبة والتناسب بين سكان اسرائىل وعالمنا العربي لوجدنا ان من المفترض ان لا تقل حصتنا من الكتب الجديدة او المترجمة سنويا عن 40 الف كتاب!!.
ولكن الحقيقة اننا لا نصدر اكثر من 10% من هذا الرقم ونسبة كبيرة من هذه الكتب مخصصة لمواضيع السحر وتفسير الاحلام والطبخ!.
لا اعتقد شخصيا ان الفارق بين العقليتين، اليهودية او العربية بالذات، هو بهذا الاتساع، ولا اعتقد بان الامة تشكو من كل هذا العقم في الانتاج والابداع والخلق، ولابد بالتالي ان يكون في الامر شيء آخر اعمق واكثر تعقيدا من ذلكِ فنحن، وانظمتنا السياسية بصرف النظر عن نوعيتها، نعيش ومنذ قرون طويلة جدا في ظل مجموعة من الهواجس التي تتعلق بأمننا الوطني او القبلي او العائلي او الديني، بحيث تراكمت علينا ولدينا مجموعة من المحرمات (التابوز) او المناطق والمواضيع المحرم التطرق لها من بعيد او قريب سواء ما تعلق منها بالتربية الجنسية او اسباب التفرقة بين الرجل والمرأة او في كل ما يتعلق بالتساؤلات الدينية او بتاريخ وسير الشخصيات المعروفة وغير ذلك العشرات من الامور المختلف عليها، وقمنا في سبيل ذلك ببذل الجهد العظيم، ليس فقط في منع التطرق لمثل هذه المواضيع، بل وفي توقيع اشد انواع العقوبات الزمنية والجسدية والمالية على كل من يتجرأ على التطرق لها.
وعليه وقع كل خطيب وسياسي وناشر ومؤلف مسرحية وكاتب وقاص ومخرج فيلم سينمائي وممثل او اي مبدع كان وفي اي ميدان سواء الرسم او النحت او التصوير الفوتوغرافي او الموسيقى، وقعوا جميعا تحت هاجس مراقبة كل كلمة يكتبونها وكل ضربة ريشة يقومون بوضعها على لوحة او اية نغمة او مقطع يضمنونه لاية معزوفة او اغنية خوفا من ان تكون مخالفة للاعراف او غير متماشية مع التقاليد او ان بها غمزا من قناة فلان او لمزا من بحر فلتان!!.
وعلى سبيل المثال ليس إلا فانني اكتب منذ فترة ليست بالطويلة في صحيفة محلية في دولة لايزيد عدد قراء الصحف اليومية فيها عن المائة الف بكثير، وبالرغم من 'بساطة' وقلة تعقيد مواضيع هذه المقالات، وبالرغم مما ابذله من جهد كبير في اختيار كل كلمة اكتبها وما ابذله من حرص في اختيار موضوع كل مقال، وبالرغم من ان كل كلمة اكتبها تراجع من قبل محرر صفحة المقالات ويحال الامر لمدير التحرير في كثير من الاحيان، كما يقوم رئىس التحرير بدوره بقراءة ما اكتب ويتحمل معي مسؤولية نشر كل كلمة اكتبها، اقول بالرغم من كل هذه التحوطات والتحفظات القاتلة لكل ابداع، الا ان كل هذا لم يمنع من جرجرتنا للمحاكم في خمس قضايا مطبوعات حتى تاريخ كتابة هذا المقال، يحدث هذا في دولة ذات دستور ونظام قضائي يدعو للاحترام!!.
ان النصر على العدو اي عدو كان، لا يمكن ان يتم بالقنبلة والمدفع والتضحية بالغالي والرخيص فقط، بل يجب ان يسبق ذلك او يتبعه مباشرة تحرير النفس اولا واعادة الكرامة والثقة لها ومنحها حرية التفكير والابداع الكاملة قبل اي شيء آخر، وبعدها نستطيع ان نطلب منها ما نشاء، وخلاف ذلك فان من السخف والعبث ان نتوقع من فاقد الكرامة والحرية ان يحارب من اجل بلاده ويبدع في انتاجه ويربي جيلا يمكن الاعتماد عليه، والتاريخ مليء بالامثلة.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top