'خفافيش' مجلس الأمة
إن كل أمر أو قانون يصدر ضد طبائع الأمور مصيره الفشل والتجاهل.
* * *
جربت الحكومة اكثر من مرة، ولاتزال، التعامل مع الحكومات مباشرة في عقود شراء الأسلحة مثلا، وفشلت في كل مرة، حيث كان الوكيل المحلي يحصل على عمولته في كل مرة وبعلم الحكومة وتحت سمعها وأمام بصرها.
ومن هذا المنطلق، من الصعب الاعتقاد بأن هناك دوافع نبيلة و'بريئة' كامنة وراء إصرار بعض أعضاء مجلس الأمة على مسألة الشفافية التامة في موضوع استثمار او تطوير حقول نفط شمال الكويت في الوقت الذي يصرون فيه على ضرورة قيام الحكومة بالتعامل مباشرة مع شركات النفط العالمية فيما يتعلق بهذه العقود والغاء الوكيل المحلي نهائيا!.
لقد علمنا التاريخ ومئات الوقائع ان تلك الشركات وهؤلاء الوكلاء سيلجأون لمختلف الطرق الشريفة وغير الشريفة، السرية منها والعلنية، في سبيل الحصول على ما تعتقده حقا لها في نهاية الأمر.
لا نود أن نجادل في حق مجلس الأمة كونه سيد قراراتهِ كما لا نجادل في محاولته الحصول على افضل الشروط واكثرها فائدة في مثل هذه العقود الضخمة، وذلك عن طريق الغاء الوكيل المحلي وتوفير عمولته او عمولاتهم من قيمة الصفقةِ ولكننا نعرف ايضا ان هذا امر مستحيل وأن الباب سيفتح لخفافيش الظلام لتقوم بتصيد الصفقات الدسمة.
* * *
في جلسة مخصصة لمناقشة مشروع حقول نفط الشمال ذكر أحد النواب بأن هناك اكثر من 14 عضوا في مجلس الأمة يمثلون شركة نفطية عالمية أو اكثرِ وانهم اصحاب مصلحة اقرار اتفاقية استثمار حقول النفط!!.
بعدها بأيام معدودة قام وزير التجارة (السابق)، وردا على سؤال برلماني، بتزويد المجلس بكشف يبين أسماء وكلاء شركات النفط العالمية التي تم تأهيلها لمشروع حقول نفط الشمالِ وتبين بعد الاطلاع على الكشف عدم تضمنه بصورة مباشرة، اسم أي من أعضاء المجلس، نوابا ووزراء!.
فهل كان الأمر مجرد افتراء من ذلك العضو الذي ذكر الرقم '14'؟.
لا يبدو الأمر كذلك، حيث تقدم نائب آخر بسؤال برلماني لوزير التجارة الجديد يطلب منه فيه تزويده بكشف يبين أسماء الوكلاء المحليين للشركات النفطية العالمية!.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذا سؤال مكرر، وطرحه في هذا الوقت مضيعة للوقت، ولكن بعد السؤال هنا وهناك تبين ان لذلك النائب مصلحة في كشف المستورِ حيث أنه يعتقد، أو يشك، في أن بعض الاسماء، التي يعرف الجميع أنها تمثل شركات نفط عالمية، ربما 'سقط سهوا' من الكشف الذي قام وزير التجارة السابق بإرساله للمجلس، وأن الأمر، يتطلب بالتالي تزويد المجلس بكشف أسماء جديد يحمل توقيع وزير التجارة الحالي 'بالذات'!.
ألم نقل ان الخفافيش تعمل متى ما انعدمت الشفافية وغاب الوضوح؟!.
* * *
الخلاصة: نكرر بأن من الصعب انجاز هذا المشروع، أو أي مشروع آخر، بدون وكلاء محليينِ وما ذكرناه بهذا الخصوص يحمل قدرا من المنطق الذي لا نعتقد أنه قاصر علينا!ِ فاذا كان الأمر كذلك فلم اذا هذا الاصرار العجيب على الغاء الوكيل المحلي؟!.
انني لا أدافع عن وكيل معين او عن نظام الوكلاء في أية عملية تعاقدية تكون الحكومة طرفا فيها، بل أحاول جاهدا ان احذر من قيام البعض باستغلال أوضاعهم كمشرعين في تحقيق مالا يستحقون الحصول عليه!.
هنا يأتي دور شرفاء المجلس وحكمائه في الاصرار على الشفافية لكي يعرف الجميع من يقف وراء هذه الشركة، ومن هو وكيل تلك المؤسسة، أما غير ذلك فعبث وفساد ما بعده فساد!!.
أحمد الصراف