أين البنك المركزي؟ (2)
كتبنا بالأمس عن موضوع استئثار العديد من رؤساء مجالس ادارات البنوك بكافة صلاحيات ادارة البنوك التي يقومون بترؤس مجالسهاِ وكيف أنهم، ليس فقط لا يترددون في الاصرار على الاطلاع والتوقيع حتى على اكثر الامور تفاهة في البنك والتدخل في عمل الادارة العليا، بل ويصرون ايضا على حصر حق استلام تقارير مدققي البنك الداخليين والرد عليها بأنفسهم، وما ينتج عن ذلك من تضارب في المصالح conflict of interestِ ونكمل اليوم موضوع الامس:
بسبب عدم وجود اية رغبة او نية لدى هؤلاء الرؤساء في التخلي عن العروش التي يجلسون عليها واخضاع تصرفاتهم المالية والادارية للمساءلة من قبل بقية اعضاء مجلس الادارة غير المتفرغين، وبسبب عدم وجود جرأة كافية لدى الكثيرين من اعضاء مجالس ادارات البنوك للمطالبة بهذا الحق، فان تدخل سلطات البنك المركزي في هذا الامر وتوجيه كتب نصح لمجالس ادارات البنوك يبدوان مسألة اكثر من ضرورية ومهمة.
خلال فترة عضويتي في مجلس ادارة احد البنوك في منتصف التسعينات بذلت، وعدد من الزملاء الاعضاء، جهودا كبيرة لاقناع رئيس مجلس ادارة البنك وقتها بالتخلي عن صلاحياته التي توارثها عن مجالس سابقة، والتي تحصر حق استلام تقارير المدققين الداخليين والرد عليها، او التوقف كليا عن القيام بمهمة ادارة البنك بصورة يومية والحلول محل الادارة العليا المحترفة.
وقد نجحنا في نهاية الامر في اقناع الرئيس وبقية الاعضاء بقبول تشكيل لجنة حديدية تسمى 'لجنة الرقابة' التي انبثقت عن مجلس ادارة البنك، تكون صلاحيتها توظيف وانهاء خدمات المدقق الداخلي، استلام تقاريره الدورية والرد عليها، مساءلة رئيس مجلس الادارة عن اية تصرفات مثيرة للتساؤل نتيجة قيامه بادارة البنك بصورة يومية، حق التوصية بتعيين او اعادة تعيين مدققي البنك الخارجيين، ومجموعة اخرى من الصلاحيات المهمة والحساسة.
لا ادري ما حدث لتلك اللجنة بعد استقالتنا من مجلس ادارة ذلك البنك، وربما عادت الامور فيه بعدها الى وضعها الخاطئ السابقِ ولا اعرف ما هو الوضع حاليا مع بقية المصارف، ولكن لا اعتقد ان احدا على استعداد للتخلي عن كل تلك الصلاحيات بسهولة ويسر، وهنا، كما ذكرنا، يتطلب الامر تدخل البنك المركزي وقيامه بارسال كتب الى مجالس ادارات البنوك تطلب فيها من كافة اعضاء مجالس ادارات البنوك ممارسة حقهم في الرقابة على اعمال رئيس مجلس الادارة اليومية وفصل اشرافه على اعمال مدققي البنك الداخليين والخارجيين وتسليمها لجهة مستقلة.
فهل يحدث ذلك؟
احمد الصراف