كيف تصبح مليونيرا في اسرع وقت؟
بدأت علاقتي باليانصيب، او اللوتري، في سن مبكرة جداِ واعتقد انها مرت منذ ذلك الحين بعدة مراحل.
كانت البداية مع اكياس مصنوعة من اوراق دفاتر المدارس غير المستعملة، وأحيانا المستعملةِ حيث كنت اضع داخل كل كيس منها شيئا ما واقوم باغلاق الكيس بحيث لا يمكن معرفة محتوياته قبل فتحهِ وكنت اقوم ببيع تلك الاكياس باسعار زهيدة لأخوتي واقاربي واصدقائيِ وصاحب الحظ هو الذي تكون قيمة جائزته اكبر مما دفع فيها.
توقفت تلك العملية بعد فترة قصيرة لسببين: الأول يتعلق باكتشافي بأنني سوف لن اصبح مليونيرا من وراء هذه العملية التجارية العقيمة، وان ما سأحققه منها في مائة عام غير كاف لشراء دراجة حقيرةِ والسبب الآخر الذي عجل بتوقف هذا المشروع هو اصابة زبائني المحتملين، من اهل واصدقاء، بالملل من اللعبةِ والحقيقة ان صداقة بعضهم انتهت معي بعد ان لجأت لوسائل غير قانونية لاجبارهم على شراء الأكياس التي فشلت في بيعها!!
كانت نوعية 'الجوائز' تتراوح بين ساعة يد قديمة لم تعمل اصلا معلق بأحد طرفيها شريط 'تربيط' جلدي متهالك ومرنخ بالعرق وبين مشط شعر مستعمل مصنوع من البلاستيك الرخيص وبأسنان مكسورة، مرورا بمقص اظافر صدئ لايعمل، او قلم حبر سائل كفيل بتلويث اصابع كل من يتجرأ على استعماله ولو لدقيقة واحدة.
تطورت المسألة معي بعد فترة عندما اكتشفت ان بإمكاني تحقيق ثروة اكبر والدخول في نادي الأثرياء عن طريق اوراق اليانصيب!! لم يكن عالميا ولا اقليميا ولا وطنيا بل كان يانصيبا من صنعي اتحمل وحدي نتيجة المخاطرة فيه، وافوز بالتالي بكامل ارباحه.
تتلخص فكرة ذلك اليانصيب في الفوز بجائزته التي قد تكون عينية او مبلغا من المال عن طريق اختيار رقم من الأرقام المدونة ضمن مربعات مرسومة على لوحة كرتونية مغطاة بورقة سميكة تحمل الأرقام نفسهاِ وتحت الورقة يكمن الرقم الفائزِ وكان الربح محققا طالما كان ايراد بيع الارقام اكبر من الجائزة او العكس، وهنا ايضا لم احاول ان اتوقف في الوقت المناسب حيث اصيب الذين من حولي بالملل من اللعبة بعد فترة فمنيت بخسائر 'هائلة' ادت، للمرة الثالثة في تاريخي التجاري القصير، الى توقف تحقيق حلمي بالدخول في عالم روكفيلر وروتشيلد وفندربلت وبول غيتي والذين كنت مولعا بقراءة سيرهم الذاتية وكيف حققوا ثرواتهم الخيالية.
واتذكر أنني كنت استعمل الماء والطحين في لصق اكياس اليانصيب الأولى وكنت ارفض استعمال صمغ المدارس رخيص الثمن، واتذكر كذلك ان اول صناعة كويتية رائدة كانت صناعة اكياس الورق الخاصة بالتسوق والتي تصنع من مخلفات اكياس الإسمنت الفارغةِ وقد نشأت تلك الصناعة وترعرعت وتوسع استعمالها لفترة طويلة، ثم اندثرت بعد فترة دون ان تحصل على اية قروض من البنك الصناعي الكويتي!!
تطور ولعي تدريجيا بموضوع اوراق اليانصيب بحيث وصل الامر في السنوات الاخيرة الى الاشتراك في العشرات منها كل عام، سواء الاميركية منها او الكندية او الاسترالية او الالمانية، واخيرا اليانصيب الوطني البريطاني، 'الناشيونال لوتري'ِ وكنت انام كل ليلة وانا اتوقع ان اقوم من نومي في صباح اليوم التالي وانا مليونير كبير جدا بدون ان اتعب بلصق اكياس يا نصيب، او عمل مربعات او تحقيق ربح من بيع مشط شعر مكسورِ وبالرغم من ان كثيرا من احلامي المالية الاقرب للواقع قد تحققت بشكل او بآخر الا ان ولعي باليانصيب لم ينقطع كما ان دهشتي واستنكاري لعدم فوزي بجائزة واحدة من عشرات اللوتريات وعلى مدى اكثر من ربع قرن لم يتوقفا ابداِ واعتقد ان هذا الشعور بالخيبة قد خالج ويخالج كل من يراهن على امر نادر الحدوث او يشترك في لعبة يانصيب مثل لعبة 'شوت' الرياضية.
ويتساءل الكثيرون منا عن سبب سوء حظهم هذا، وكيف يمكن ان يفوز غيرهم ولا يكونوا هم من اصحاب الحظ السعيد، ولكن لم يفكر اي منا كم هو سعيد ومحظوظ لانه لم يكن ضمن ضحايا كوارث الطيران التي وقعت مؤخرا!!
فلماذا نستغرب من عدم كوننا من اصحاب الحظ الكبير، ولا نستغرب من عدم كوننا احدى ضحايا مئات الكوارث التي تقع في العالم كل يوم؟؟
احمد الصراف