علم الاجتماعِِ وجنس الشرق الأوسط
تذكرت، بمناسبة دعوة النائب وليد الطبطبائي التلفزيون لمنع نقل بعض مباريات الدورة الأولمبية التي تجري في سدني بسبب افتقاد تلك المباريات، برأيه للاحتشام المطلوب، ما جرى معي عند زيارتي الاخيرة للولايات المتحدة وحضوري ندوة عن علم الاجتماع الحديث في احدى الجامعات الشهيرة هناك، والتي حضرها المئات من علماء واساتذة في العلوم الاجتماعية للاطلاع والتداول في آخر ما توصل اليه العلم في هذا المجال الحيوي وآفاق ذلك في القرن الجديد الحالي، وما تشكله الثورة التكنولوجية الهائلة من تأثير على اجمالي السلوك الاجتماعي.
وقد شاءت الظروف ان التقي بواحد من اشهر علماء الاجتماع في العالم والذي شاءت الظروف ان يكون مقعدي بالقرب من مقعده طوال فترة المؤتمر، مما جعلنا نلتقي في اكثر من فترة استراحة خلال تلك الندوةِ وقد تمكنت بصعوبة من ازالة تحفظه اتجاهي بعد ان عرف انني من الشرق الأوسط! وقد فاجأني في اليوم الثالث بالسؤال التالي: هل تعلم ان شعوب الشرق الأوسط هي من الشعوب القليلة جدا التي لاتزال لديها مشكلة اجتماعية ضاربة في العمق ويصعب الفكاك منها؟ واسترسل في السرد بعد ان شاهد علامات الاهتمام بادية علي قائلا:
منذ قرون عديدة كانت المرأة والجنس واختلاطها بالرجل ومقدار هامش الحرية المسموح لها بالتحرك ضمنه من المشاكل الكبرى التي تعيشها مجتمعات تلك المنطقةِ وقد مرت جميع مجموعات الشعوب في العالم تقريبا بهذه المرحلة من التطور البشري وعصفت بها الهواجس نفسها ولكنها جميعا، وايضا تقريبا، تخلصت منها بطريقة او بأخرى وبقيت دول الشرق الأوسط بالذات تتحكم بها هذه العقدة لا تستطيع منها فكاكاِ حتى افريقيا السوداء تغيرت واصبح للمرأة فيها دور اجتماعي ما، وتغيرت النظرة الدونية للمرأة بعد ان اصبحت تختلط بالرجال وتعمل معهم وتكسب قوتها وتربي عائلتها وتعيل العديد من الذكور في وقت واحدِ واصبحت المرأة تعمل وفي العديد من الدول والمجتمعات في جو اقل اصرارا على اعتبارها سلعة جنسية ومصدر شر لإثارة الغرائز.
وحدها شعوب منطقة الشرق الأوسط تصر على سجن المرأة في بيتها محددا دورها في ارضاء نزوات الرجل ونزقه وانانيته الجنسية.
وتساءل عالم الاجتماع: السؤال هنا لماذا؟ وما هو الحل لهذه المشكلة التي اثرت في مجتمعاتكم تأثيرا كبيرا وجعلتها في نهاية الامر تعاني ما تعانيه من مشاكل وضعف وتخلف؟ واستطرد مجيبا دون ان ينتظر مني السؤال:
ليس من السهل الوصول الى حل سريع لهذه المشكلة بالغة التعقيد بسبب ما تراكم لديكم على مر القرون من عادات وتقاليد اصبحت جزءا من النسيج الاجتماعيِ
وسوف لن احاول في هذه العجالة الاجابة عن مثل هذه المسألة ولكن دعني اقول لك بانني اعتبر الرجل، وليس المرأة هو المسكين وهو العقدة في حالتنا هذه، وليست المرأة! وعندما استفسرت منه عما يرمي اليه خاصة ان الرجل الشرقي هو السيد في بيته وهو الذي يفرض رجولته على المرأة فكيف يكون هو الضعيف والمسكين؟
قال: ان الرجل الشرقي يجلد المرأة ليجلد نفسه الغارقة في دوامة هواجسه، تلك الهواجس التي تكبله اكثر مما تكبل المرأة، وقد يعود سبب ذلك الى افتقاد الرجل للحرية الشخصية في مجتمعاتكم! ألا ترى انه وبمجرد اعلان الرجل ان ظهور اجزاء من جسد المرأة أمر غير مسموح به وان اختلاطها به امر غير قانوني يكون قد اعلن عن نفسه وحشا، وانه بذلك تخلى عن انسانيته وانه سينقض على المرأة بمجرد ان تبرز مفاتنها؟ وان مجرد قيام الرجل بتقييد حرية المرأة فانه يقوم بتقييد حريته شخصيا في التعامل معها.
وقال ان المجتمعات البشرية والحضارة الانسانية قامتا على عمودين لا بديل لاي منهما عن الآخر: المرأة والرجلِ وبدون قيامكم بتحرير المرأة تحريرا كاملا، رغم ما تدعوه في هذا الموضوع من تقدم غير صحيح، فانكم بذلك قمتم بالغاء نصف المجتمع بعد ان قيدتموه بالسلاسل مانعين عنه سبل التقدم والرقي.
ان المرأة هي التي تربي الرجل، فكيف يمكن للسجينة ان تربي انسانا حرا؟
قاطعته اكثر من مرة محاولا الدفاع عن معتقداتنا وحاولت تفنيد الكثير من آرائه، ولكن ما ان اختليت الى نفسي حتى سألت نفسي: من هو المحق فينا؟ وهل يمكن ان يكون هو على حق؟ فان كان الامر كذلك فانها طامة كبرى ومصيبة عظمى!
أحمد الصراف