أحلام عبد القادر (3)
عاد عبد القادر إلى البيت منهكا ومتأخرا كثيرا عن موعد وصوله المعتاد، وكانت زوجته تنتظره بقلق بالغِ لم يستطع المكوث طويلا بعد ان انتهى من تناول طعام الغداء، فقد كان فكره مشغولا بمبلغ الشيك، خرج بعد فترة قصيرة متجها الى شركة التأمين لانهاء معاملته، ولكي يستلم ما طال انتظاره له من تعويض من الشركة مقابل ما دفع من مال في تصليح سيارته وشراء قطع غيار لها، وماخسره فيها بعد ان اضطر لبيعها بأقل كثيرا مما دفعه فيها بعد ان نصحه 'المعلم' صاحب ورشة التصليح، بالتخلص منها بأسرع ما يمكن.
طلب منه المحاسب مراجعة الشركة بعد اسبوع لاستلام التعوضِ شرح له عبد بعضا من ظروفه المالية، وبأنه مدين لأكثر من طرف وبأنه مقبل على سفر قريب، وبعد سنوات ثلاث من العمل المتعب والمرهق، وبحاجته الماسة للمبلغِ وهنا ايضا تدخل الحظ وجعل قلب المحاسب يرق لحاله ويعده بانهاء معاملة اصدار الشيك في اليوم التالي.
لبس عبد احسن ما عنده من ملابس في صباح ذلك اليوم، وتوجه إلى عمله، ومن هناك غادر المكتب في طريقه إلى شركة التأمين، بعد ان استعار سيارة احد زملائه في العمل، وبعد ان تأكد من المحاسب ان الشيك الخاص به جاهز للاستلام.
قام عبد بتوقيع ما طلب منه توقيعه من سجلات وأوراق ومخالصات، وحول في نهاية الامر إلى الصندوق لاستلام الشيك، وكم كانت خيبته كبيرة وهو يقرأ المبلغ الذي دون فيه والذي كان بالكاد يكفي لدفع ما تراكم عليه من ديون، وأحس بدوار مفاجئ وكاد يقع ارضا، فقد كانت قيمة الشيك تقارب نصف ما دفعه بالفعل من مال في تصليح تلك السيارة اللعينة.
لم تلق كافة احتجاجاته واعتراضاته على مبلغ التعويض أية آذان صاغية من موظفي شركة التأمين، الذين اعتادوا على تلك المناظر، كما هي الحال مع اطباء اقسام الحوادث في المستشفيات المزدحمة، وفي طريقة فجة للرد على تساؤلاته اشاروا عليه بقراءة الملصقات المعلقة على جدران المكتب وممراته والتي تبين بوضوح تام حق الشركة في استقطاع نسب تصاعدية من قيمة قطع الغيار تزيد مع زيادة عمر السيارة!
خرج عبد من الشركة لا يعرف إلى اين يتجه، فقد اسودت الدنيا في عينيه، وانهارت كل خططه واحلامه في اجازة سعيدة قريبة، وربما تلاشت تلك الاحلام إلى الأبد، حيث انه سيبقى مكبلا بالديون لفترة طويلة مقبلة.
ركب عبد السيارة محاولا تخيل ردة فعل زوجته وهي تسمع منه بان ما كانت تحلم به من اجازة وضع في بلدها وعند والدتها سوف لن تتحقق، وتذكر منظر وعيون ابنه الصغير وهو يسمعه يقول له انه سوف لن يسافر إلى 'عناب' في القريب العاجل، وانه سوف لن يرى 'جدو' كما كان يمني نفسه منذ فترةِ واخذ يتخيل ما ستقوله له امه على الهاتف، وهي التي طال شوقها لرؤيته ورؤية حفيدها الذي لم تره الا من خلال ما ارسله إليها من صور عنه، وكيف ان بكاءها على الهاتف سيجعل قلبه يتقطع حزنا عليهاِ واخذ يفكر باصحابه وزملائه في العمل وما ستكون عليه تعليقاتهم، وبخاصة ما سيقوله سعد الفراش متهكما عندما يعرف مبلغ الشيك، وكيف ان عليه السكوت عن المطالبة بدينه عليه لفترة اخرىِ ولم يشعر، وهو في غمرة كل تلك الأفكار والمشاعر المختلطة التي انتابته وسيطرت على فكره، الا وهو يرتطم بقوة هائلة، بالسيارة التي استعارها من زميله محمد، بسيارة اخرى لم ينتبه لها كانت متوقفة امامه على اشارة المرور الحمراء.
(انتهى)
أحمد الصراف