أحلام عبدالقادر (1)

قدم عبدالقادر الى الكويت، منذ ما يقارب السنوات الثلاث، بعد ان غادر قريته 'عناب' الجبلية في ذلك البلد الجميل، وبالرغم من انه حصل على قدر معقول من التعليم الا انه، وبسبب عيب خلقي بسيط لم يكن له ذنب فيه، لم يجد الا وظيفة متواضعة يعمل بها.
بعد جهد وحرمان من الكثير من الاشياء الضرورية، والتي كان هو واسرته الصغيرة في امس الحاجة لها، تمكن من تحويل ما اقترضه من اخيه الكبير من مال دفعه للحصول على 'اذن العمل' الذي جاء به الى الكويت، وتمكن كذلك من توفير مبلغ صغير آخر من راتبه المتواضع صرفه في شراء سيارة قديمة ومستهلكة، وبنظام التقسيط ايضا، وبالرغم مما يمتاز به من حذر فطري، وما يملكه من دراية تامة بقوانين المرور واصول القيادة، الا ان سوء حظه شاء له ان يتعرض لحادث مروري كاد يودي بحياته وحياة ابنه الذي كان معه في السيارة.
كان ذلك قبل اكثر من سنة، نسي خلالها عبدالقادر الكثير مما مر به خلال تلك الفترة من احداث، ولكنه لم ينس انه، وصاحب السيارة الاخرى التي ارتطمت بسيارته، وحذفتهما واياها الى الرصيف، اضطرا للوقوف في الشمس الحارقة، والكدمات تملأ وجهه ووجه طفله الصغير الذي كان عائدا به من المدرسة، لاكثر من ساعة ونصف الساعة، الى ان حضرت سيارة الشرطةِ ويتذكر عبدالقادر جيدا اصرار الشرطي الغريب على ايقاف سيارته بطريقة اغلق فيها نصف حارة من ذلك الطريق الضيق الذي وقع فيه الحادث، وهذا ما غير حركة السير من وضع 'المشكلة' الى حالة 'المأساة'.
وتذكر كيف مال الشرطي بعدها على صندوق سيارته الخلفي باذلا جهدا خارقا في كتابة وقائع الحادث، قام بعدها بتوجيه مجموعة من النصائح 'المحببة' له ولخصمه في الحادث، وكيف طلب منهما الذهاب الى المخفر القريب، بعد ان اخذ منهما دفاتر ملكية السيارات وما يسمى ب'اجازة السوق'.
لم تكن تجربة زيارة المخفر تجربة سارة له او لابنه الصغير، كان فكره مشغولا طوال الوقت الذي كان ينتظر فيه عودة المحقق من زيارة لحادث خارج المخفر، بسيارته التي تركها في ذلك المكان دون ان يتمكن من اقفالها بعد ان انكسر زجاج احدى نوافذها الجانبية من جراء الحادث، قام عبدالقادر وبعد اكثر من ساعتين من الانتظار على الكرسي المكسور في المخفر، وبعدها في غرفة المحقق وبعد سماع عشرات المكالمات الهاتفية التي قام بها، او استقبلها المحقق من خلال الهاتف النقال والثابت والبيجر، وبعد سماع عشرات الاسئلة والاجوبة من الداخلين والخارجين من والى مكتبه، تمكن عبدالقادر من توقيع مجموعة من الاوراق التي دون بها المحقق اقوالهما، اضافة الى اشياء اخرى لم يملك الجرأة الكافية لسؤال المحقق عنها، غادر الاثنان المخفر غير آسفين عليه.
ذهب بعد يومين من الحادث الى شركة التأمين، وبعد ان استلم من المخفر ورقة صفراء دون بها محقق المخفر تفاصيل سيارته والسيارة الاخرى واسم شركة التأمينِ وقضى اليوم كله وهو ينتظر دوره لمقابلة 'مثمن' شركة التأمين، والذي كان يبدو واضحا انه يتجنبه لسبب ما، وفي كل مرة تلتقي فيها اعينهما يطلب منه الانتظار قليلا، خاصة بعد ان علم منه انه لا يملك سيارة ليأخذه بها الى مكان الحادث لمعاينة سيارته، وبعد ان عرف ان مكان الحادث لم يكن بعيدا عن العمارة التي يسكن فيها، حيث قرر، وهذا ما عرفه عبد متأخرا، ان يجعله ينتظر ليأخذه معه لمعاينة سيارته وهو في طريقه الى بيته بعد انتهاءالدوام.
بعدها بأيام، وبعد موافقة شركة التأمين، استأجر عبد رافعة لنقل سيارته الهالكة المستهلكة الى المنطقة الصناعية لاجراء الاصلاحات اللازمة عليها، والى ورشة معينة بناء على 'توصية خاصة' من المثمن الهمام، وبعد ان افمهه الاخير بان عليه دفع مصاريف اصلاح السيارة من جيبه الخاص وبان شركة التأمين 'سوف' تعوضه بعد صدور الحكم من المحاكم الكويتية! وان ذلك سيتم بعد اجراء خصم بسيط على قائمة التصليح وذلك كمقابل لقيمة استهلاك قطع الغيار التي ستحتاج لها السيارة والتي سيتم استبدالها.
تمكن عبد وبمساعدة مجموعة من اصحابه، من تدبير قرض تمكن بواسطته من دفع تكاليف اصلاح السيارة بانتظار 'وصول' التعويض الموعود من شركة التأمين، اثناء ذلك لم يتوقف عبد عن مراجعة المخفر للسؤال عن مصير قضيته، وكان جواب سؤاله دائما يتلخص في مجموعة من التعليقات السمجة من شرطة الاحوال الذين تعودوا على رؤيته وتعودوا ايضا وبمرور الوقت على تجاهله وعدم الرد على استفساراته، ولكنه تمكن، وبعد اشهر من السؤال والمراجعة، من اقناع احد 'سكان المخفر' بمساعدته واعلامه بما عليه عمله لكي يعرف مصير قضيته، حيث طلب منه الشرطي الذي رق له قلبه الذهاب الى مخفر منطقة الشعب لكي يعرف الى اين انتهت احلامه بالتعويض.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top