كونزاليس العراقي
وقعت سعاد في الحب من أول نظرة، واختار قلبها من كان يعمل لدى والدهاِ بسبب معارضة الأهل الشديدة وتهديداتهم المستمرة لها ولحبيبها الذي تزوجته سرا قررت أن تهرب معه لتعيش معه في وطنه العراق!! كالعادة لم تدم قصة الحب غير المتكافئة طويلا فقد ساهم الفقر وتفاوت المستوى المادي والمعيشي والتعليمي وقدوم الأولاد وزيادة أعباء الحياة المرهقة والظروف شديدة الصعوبة التي مر بها العراق في العقدين الأخيرين في القضاء على آخر أمل لبقاء الأسرة متماسكةِ وهكذا قررت سعاد أن تنفصل عن زوجها وتعيش مع أصغر ابنائها في شقة صغيرة بعد أن تخلى عنها زوجها بسبب عدم مقدرته على اعالتها وابنها.
ما ان سنحت الفرصة لسعاد حتى قررت أن تعود لوطنها الكويتِ ولكن لم تكن تمتلك المال الكافي لدفع رسوم المغادرة الباهظة ومصاريف استخراج جواز سفر جديد، ولم تكن تمتلك جواز سفر غير جوازها العراقيِ وهكذا قررت ان الحل الوحيد لكل مشاكلها يكمن في ايجاد من يقبل بنقلها الى اقرب نقطة من منطقة الحدود الكويتية - العراقية الدوليةِ وكان لها ما أرادت بعد أن قبلت اسرة عراقية مكونة من أب وأم وثلاثة ابناء مشاركتها في مغامرة التسلل الى الكويت عبر المنطقة الصحراوية الفاصلة بين البلدين.
ما ان وصلت قافلة العائلتين الى ما قرب الحدود العراقية - الكويتية حتى انفجر لغم من مخلفات الغزو العراقي في وسطهم وأدى الى موتهم جميعا، عدا الصبي 'راوي' طفل سعاد الصغير، والذي كان يسير متثاقلا في نهاية الركب بعد أن أنهكه التعبِ هرعت دورية حدود كويتية لمكان الحادث وأخذت الصبي البالغ من العمر 7 سنوات الى اقرب مستشفىِ ومن واقع المستندات التي كانت مع الأم القتيلة وبحوزة الصبي تم التعرف على هويته واسم عائلة والدته الكويتية وتم تسليم الصبي لأقاربه الكويتيين.
انتشر خبر الصبي، العراقي الأب، والكويتي الأم، والذي كان الوحيد الذي نجا من بين ستة أشخاص ونقلت محطات تلفزيون المنطقة مقابلات مع خالاته وجدته وكيف انهن قررن الاحتفاظ بالصبي وعدم السماح بعودته الى العراق أبدا.
تدخلت الحكومة العراقية في الأمر سواء مباشرة أو عبر وسطاء عرب وأجانب، وطالبت باسترداد الصبيِ وسيرت الحكومة العراقية عشرات المظاهرات 'الحكومية' يوميا تجوب شوارع بغداد وما تبقى من مدنها الكبرى تطالب الكويت باعادة الصبي 'راوي' الى والدهِ وتدخلت وزارة العدل الكويتية في الموضوع وعقدت المحاكم الجلسات وأخذ كل طرف يدافع عن وجهة نظرهِ فمحامو أقارب الصبي لا يريدون له العودة للعراق مرة أخرى تحت نظام الحكم الحالي حيث لا تتوفر للصبي أبسط مقومات الحياة الصحية والدراسية الطبيعيةِ ومن جانب آخر دافع محامو والد الصبي عن حق والده الطبيعي في استرداد ابنه فهو ولي أمره الوحيد في نهاية الأمرِ وقد رد اقارب الصبي في الكويت على ذلك بأن لا حق له في الصبي بعد ان تخلى عنه عندما كان يعيش ووالدته في العراق، وبأنه لم يحاول يوما وطوال سنوات خمس أن يساعدهما ماديا أو معنويا أو حتى أن يكلف نفسه بالسؤال عنهما، فكيف أصبح الآن متعلقا به ويرغب في عودته لكنفه وسبغ رعايته عليه مرة أخرى؟ وهل مطالبته تلك حقيقية وصادرة عن قلب أب رحيم حنون، أم أن في الأمر شيئا؟ وهل هناك أسباب سياسية وراء تلك المطالبة جاءت بناء على طلب وضغوط من الحكومة العراقية؟ وماذا كان سيختار الأب لابنه لو ترك الأمر له وبدون أية 'حكومية' عليه؟ وأين سيجد ابنه ما يجده من رفاهية ورغدعيش كالذي يتمتع به في الكويت وبين خالاته؟ وهل بامكان الأب حقا إعالة الصبي، دع عنك توفير أبسط مستلزمات الحياة الكريمة له في دولة لاتزال تحت الحصار والمقاطعة منذ عقد من الزمن؟.
وهل نستطيع القول بكل إخلاص ان الصبي يجب أن يعود لوالده بالرغم من أي شيء؟
وهل من حق خالاته الاحتفاظ به بالرغم من أنهن لا يملكن حق الوصاية الطبيعية عليه؟
وهل نستطيع القول إن عودة الصبي الى العراق ستكون حتما في صالحه وصالح مستقبله؟
والآن من يستطيع ان يقول أي وجهتي النظر على حق؟
وهل يجب أن نستمر في السخرية مما يجري في الولايات المتحدة بخصوص الصبي اليان كونزاليس؟؟.
أحمد الصراف