وزير الداخلية والتنازل المستمر
المشهد الثاني، والذي يسبق عرضه المشهد الاول:
مطار احدى الدول الاسلاميةِ الوقت ساعة الافطار، اخذ موظف الجوازات مكانه في صندوقه الزجاجي واصطف القادمون امامه وبيد كل منهم جواز سفرهِ وتصادف وقوفي امامه ساعة رفع الاذان اعلانا بانتهاء فترة صيام ذلك اليومِ رفع ضابط الجوازات نظره عن جواز سفري واستأذن مني وبمنتهى الادب ان يتوقف قليلا لتناول افطاره، وهنا تذكرت تجربتي السابقة في مطار احدى الدول المتخلفة، فقلت له إنني متعب ولا استطيع الوقوف طويلا، وطلبت منه الاذن بالجلوس على احد مقاعد الصالة ريثما ينتهي من تناول طعام افطاره، فابتسم بلطف واضح وقال ان لا حاجة لذلك فالامر لن يستغرق طويلا، مد يده لاناء كان مخفيا خلف مكتبه وتناول تمرة واخذ رشفة من كوب لبن او حليب كان امامه وعاد فور ذلك لمزاولة عمله بالهمة والنشاط نفسيهما، وغمرني شعور عميق بالخجل وانا اسمعه يعتذر لي عن التأخير.
المشهد الاول:
قاعة المغادرين في مطار دولة اسلامية اخرى.
الممثلون: مجموعة من موظفي وزارة الداخلية وبرتب عسكرية مختلفةِ الجمهور: خليط من المسافرين ومن مختلف الجنسيات والاعراق يقارب عددهم المائة وبينهم، اضافة الى كاتب المقال، وزير تربية سابق معروف وبعض الاخوة الاكاديميين المعروفين على اكثر من صعيد، والوقت موعد رفع الاذان ايذانا بانتهاء صيام ذلك اليوم، وقبل ان تقع احداث المشهد الثاني اعلاه بثمانية واربعين ساعة بالتمام والكمال.
الجميع ينظر باستغراب واستنكار وغضب للغرف الزجاجية الفارغة التي هجرها جميع موظفي الجوازات لتناول طعام الافطار، بعد ان اقاموا الحواجز العسكرية امام المسافرين لمنعهم من دخول منطقة الجوازات الخالية تماما، واستمر وقوف البعض ساعة كاملة حتى انتهى جميع موظفي جوازات الخروج من ضباط وجنود من تناول افطارهم الدسم!.
(انتهت المسرحية بعد ان استغرق عرض المشهد الاول 3600 ثانية وكان المكان مطار الكويت الذي يصر المسؤولون عنه على تسميته ب 'الدولي'ِ واستغرق عرض المشهد الثاني والذي حدث في مطار كوالالمبور 180 ثانية بالتمام والكمال).
نضع هذه القصة برسم وزير الداخلية الكويتي، ونتساءل مع اكثر من مائة مسافر انتظروا في ذلك اليوم، وربما في كل يوم من ايام شهر رمضان، امام جوازات المغادرة: هل يجوز ان يتعطل عمل مطار دولة عصرية بصورة شبه تامة ولمدة ساعة كاملة في فترة الافطار؟.
وهل من الدين ان تكون عملية تناول الافطار على حساب تعطيل مصالح الآخرين وتضييع اوقاتهم وتأخير اقلاع طائراتهم؟.
وهل نعتقد بأن ايماننا احسن من ايمان الآخرين بحيث يبرر توقفنا عن العمل ساعة كاملة لكي نتمكن من افتراش الارض وصف كميات هائلة من الطعام على اوراق الصحف والقيام بعملية البلع امام عشرات اعين المسافرين المتسائلة؟.
لست ادري اين ستكون نهاية مسلسل التنازل المستمر.
احمد الصراف