ذكريات
جلس أمامي ووضع مرفقيه على مكتبي وأراح رأسه بين راحتيه ونظر الي وقال: 'أنا اعرف اتجاهاتك الفكرية واعلم مدى تقديسك لحرية الرأي واعلم اكثر مدى ما تشعر به من عداء لمدعي التدين ومستغلي مشاعر الناس في تحقيق اغراضهم سواء المادية منها او السياسية! ولكن دعني اتكلم بحرية ودون مقاطعة وادافع عن وجهة نظري التي قد لا تكون متطابقة مع ما تؤمن به وتكتب عنه.
حضرت الى الكويت قبل 46 عاما، وكان ذلك في يناير 1953، وكان حضوري لسببين: الأول، المساهمة في انشاء جمعية دينية مع مجموعة من 'الشباب' والدعوة لوجه الله سبحانهِ والسبب الآخر للقيام بتأسيس شركة مقاولات بحكم تخصصي الدراسي.
من اجل تحقيق الهدف الاول اجتمعنا وعبدالرحمن العتيقي وعبدالعزيز العلي المطوع وعبدالله العلي المطوع واحمد علي الدعيج وبدر الشيخ يوسف وعبدالرزاق المطوع ويوسف السيد هاشم الرفاعي ومحمد العدساني وعبدالعزيز العدساني وعبدالله سلطان الكليب ويوسف النصف وخالد النصف وماجد الشاهين ومحمد بودي وعبدالله بودي وعبدالعزيز اسماعيل جمعة وغيرهم من الاخوة ممن لا تحضرني اسماؤهم الآنِ كما كان هناك اضافة الى هؤلاء الاخوة صلاح الشربيني ومحمد علي سليم ودِ جمال عطية والمهندس عبدالرؤوف مشهورِ وكانوا وقتها من 'شباب' الاخوان المسلمين في مصر، والذين تركوا بلادهم بعد 'خلاف' الاخوان الشهير مع الرئيس جمال عبدالناصر.
تأسست على أيدي هذه المجموعة جمعية الارشاد الاسلامية، وكانت جمعية دينية تربوية، وأصبحت تجتذب الكثير من الشباب لها، وكان من الممكن ان يكون لها شأن كبير، ولكن تدخل جمال عبدالناصر شخصيا ومفاتحته الشيخ عبدالله الجابر والسيد عبدالعزيز العلي المطوع في امر ايقاف نشاطها في الكويت وطرد اعضائها المصريين من الكويت كان له الاثر السيئ على تحديد نشاطها وخاصة نشاط الاعضاء غير الكويتيين.
رفضت حكومة الكويت بلباقة طلب الطرد، واستمر نشاط الجمعية ولكن 'بزخم' اقل حتى نهاية الخمسينات، عندما جمد نشاطها مؤقتا ثم عادت للظهور تحت اسم 'جمعية الاصلاح الاجتماعي'.
واذكر جيدا ان كافة اعضاء الجمعية بمن فيهم الاخوان العلي كانوا من غير لحىِ وكانت آراؤهم وافكارهم الدينية على نهج (الامام) حسن البنا، وكان اسلوبهم سهلا وميسرا، وكانوا يدعون الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكونوا يهتمون بقصر او طول 'الدشداشة' او شكل اللحية وطريقة تشذيبها، كما اذكر جيدا ان (الامام) البنا كان كثيرا ما يلبس بنطالا قصيرا (شورت) وكان يلقي الخطب ويجري المقابلات وهو لابس الشورت القصير وامام مئات الشباب، سواء في المعسكرات الصحراوية او في بعض المناسبات الاستعراضية في المدنِ ولم يكن بين جميع اعضاء مكتب الارشاد العام من كان ملتحيا غير المرشد العامِ كما ان الهيئة التأسيسية للاخوان، والتي كانت تتكون من 500 عضو، كانت تضم بين صفوفها اثنين من الاقباط المصريينِ كما كانت محاضرات الاخوان التي كان يحضرها الآلاف مكونة من النساء والرجال محاضرات مختلطةِ وكانت تعليمات المرشد العام (للداعية) زينب الغزالي ان لا تجبر اية سيدة على ارتداء الحجابِ كما لم يطالب الاخوان قط باغلاق الخمارات ومنع بيع المشروباتِ ولم تصدر عنهم كلمة ضد اماكن اللهو ولم يدخلوا في متاهات بنوك ربوية واسلامية.
اما ما أراه اليوم ممن يدعون بأنهم ورثة (الامام) حسن البنا وحافظو نهجه وتابعو اسلوبه فانهم أبعد ما يكونون عن صحيح الدين القويم واسلوبه السهل والطيب (!!)ِ انتهى كلام الضيف وبقيت التعليقات والتعقيبات.
احمد الصراف