غيتو هتلر والاحزاب الدينية
كما وصفني 'احدهم' مرة مستهزئا فأنا كاتب 'هاو'، أي غير محترف، ولا اتقاضى بالتالي اية مكافأة أو راتب مقابل ما أكتبِ ولكن لم يمنعني هذا الامر قط من ان اكون ملتزما في كتاباتي الى درجة اعتبرها البعض تطرفا غير مقبولِ وان هذا التطرف والاصرار على الدفاع عن حقوق الانسان وقضايا الحريات عموما يشكلان خطرا على مصالحي، وربما على حياتي!!.
والحقيقة ان احساسي وانا اكتب في اي موضوع يتعلق بقضايا الرأي والحريات لا يختلف كثيرا عن احساس اي مواطن يشعر بأن عليه مسؤولية ما تجاه وطنه ومواطنيه، والفئات الاخرى من الضيوف المقيمين على تراب هذا الوطنِ ولم اشعر يوما ما بانني مجبر على الكتابة من منطلق فئوي او ديني او مذهبي ضيق ومقيتِ بل كان شعوري دائما، ولا يزال، بأن من حقي التصدي في الكتابة في اي موضوع، وبدون تحديد مسبق لمناطق او مواضيع لا يجوز التطرق لها ولم يحظر القانون العام للدولة الخوض فيها كذات امير البلاد مثلا!!.
كان لابد من هذه المقدمة قبل الدخول في صلب مقالنا هذا والذي يتعلق باصرار البعض على تصنيف المواطنين ووضعهم في فئات دينية او عرقية او قبلية محددة، وبالتالي منع المنتمين لفئة معينة من الخوض في المسائل التي تتعلق بالفئات الاخرى وحصر 'حق' انتقاد اية فئة بأفرادها والمنتمين اليها!!.
* * *
الموضوع:
التقيت بالأول، والذي يشغل منصبا حركيا وسياسيا هاما في احد الاحزاب الدينية اضافة الى عمله الرسمي في احدى الصحف اليومية، وذلك اثناء واحدة من زياراتي النادرة جدا لمبنى جريدة 'القبس'، وما ان تم تقديمنا لبعضنا البعض حتى بادرني بالقول بانه معجب بما اكتب ولكنه يأخذ علي تركيزي على انتقاد طريقة جمع وصرف الاموال في الجمعيات واللجان المسماة ب 'الخيرية' وقال ما معناه ان هذا ليس من حقي!! وان علي ان اكتب عن تصرفات رجال دين الطائفة التي اصر على ان يجعلني منتميا لها لمجرد ان اسمي هو: احمد الصراف (!!) بصرف النظر عن حقيقة شعوري او نوعية اعتقاداتي او انتماءاتي!!، دخلت معه في نقاش ملخصه انه يعرف اكثر من غيره انه ليس كل ما اكتبه قابلا للنشر!!، وان من حقي عليه ان يشك في ان عدم كتابتي عن تصرفات رجال دين طائفة معينة، كما طلب ، لا تعني بصورة تلقائية ان الوضع اخضر وجميل في جانب هؤلاء وسيىء وبشع في الجانب الآخر!!، فقد يكون العكس هو الصحيح، او قد يكون الامر عائدا، ربما لجهلي بما يفعله هذا الطرف مقارنة بما اعرفه عن الطرف الآخر، كما ان شبه انعدام علاقتي بمن يريد مني الكتابة عنهم، وما اعتقده بمحدودية تأثير انشطتهم على اهتماماتي الرئيسية ومصالح بلدي مقارنة بما تشكله خطط وسياسات وبرامج الاحزاب السياسية الدينية الكبيرة من تأثير طال ويطول طريقة معيشتي ومستقبل اولادي ومناهج مدارس احفادي ولبس بناتي واخواتي وتفكير اصحابي، كلها امور تجعلني اكثر اهتماما وشراسة في انتقاد تصرفات هؤلاء مقارنة بسلوك اولئك (!!!).
* * *
شكل الحدث والحديث بمجمله صدمة لي، واقول مخلصا انني لم افكر يوما بمدى حساسية الموضوع لدى الجانب الذي احب ان يجعل نفسه الطرف 'الآخر' وكدت وقتها، بيني وبين نفسي، ان اتفق مع وجهة نظر ذلك 'المنظر' (!!)، والوم نفسي على اصراري على التركيز في الكتابة عن فئة ما ونسيان طرف فاعل آخر على الساحة بصرف النظر عن مدى اهميته، او قلة اهميته، او ما تشكله آراؤه وسياساته واهدافه من خطر على الحريات العامة وقضايا حقوق الانسان في المجتمع!!.
جاء اللقاء الثاني سريعا بعد الحادثة الاولى وفي منزل الصديق يعقوب الجوعان حيث بادرني اخ عزيز وكريم بملاحظة سمعها من البعض تتعلق بالمواضيع التي غالبا ما اتطرق لها، حيث اخبرني ان منتقدي مقالاتي يأخذون علي 'نفسي المتطرف' لفئة مذهبية معينة!!، وهنا ايضا صدمت للأمر فلم يخطر على بالي قط ان اتهم في يوم من الايام بالتطرف المذهبي او الطائفي او الديني، وانا ابعد ما اكون عن مثل هذه الامور بالذات، وبدون تحفظ او تردد !! لم استطع النوم في تلك الليلة دون ان انهي كتابة هذه المقالة وبعد ان قمت باعادة قراءة ومراجعة مئات المقالات التي سبق وان كتبتها والتي لها علاقة بموضوع مقالنا هذا وتبين لي انني بالفعل لم 'اوفر' فئة ما من انتقاداتي، مع الاعتراف بان نصيب فئة ما كان اكبر من نصيب الفئة الاخرى، وقد كان سبب ذلك ربما لكبر حجم واهمية اصحاب الفئة الاولى او بسبب ما يشكلونه من خطر واضح، من وجهة نظري، على النسيج العام للمجتمع ككل، وان الامر برمته حدث بصورة طبيعية ودون تخطيط 'تآمري' مسبق مني كما احب البعض ان يتصور او يتخيل، او ربما يسبب اصرار هؤلاء على وضع المواطنين ضمن فئات محددة يتم بصورة تلقائية منع وتحريم افراد فئة او اكثر منها من الانتقاد او الخوض في مواضيع تخص الفئات الاخرى، وخاصة تلك الاكثر نفوذا وقوة وسطوة، وخاصة ايضا اذا كان اسم الكاتب او الناقد: احمد عبدالله جاسم الصراف!!.
ان من حقي كمواطن كامل الاهلية وغير محكوم علي بأية جريمة مخلة بالشرف والامانة، الكتابة في اي موضوع اراه مناسبا ولا يخالف القواعد والقوانين الوضعية المعمول بها على ارض الدولة، ومن حق اية جهة ترى ان ضررا ما اصابها من جراء نشر تلك المقالات اللجوء للادوات المناسبة لاخذ حقهاِ اما مسألة الاصرار على تعليق 'ملصقات' على ظهر كل مواطن او كاتب تبين فئته ومناطق نفوذه والمواضيع التي يسمح له بالكتابة فيها وعنها، فانه اضافة الى عدم قانونيته، سخيف ومرفوض ويشبه في كثير من أوجهه ما حاول هتلر ان يطبقه على شعوب الارض بتصنيفها ضمن مجموعات عرقية محددة!!.
ان المجتمع الديموقراطي الحر الذي يحاول كل مواطن صالح ان يرسخ مفهومه ، ودولة المؤسسات التي نحاول ان ندعمها ونخلق وعيا عاما بوجودها يتطلبان منا رفض كل اشكال الفئوية والقبلية والتصنيف المسبق للمواطنين على اساس ما دون في بطاقات هوياتهم من اسماء وما يتبع ذلك بصورة تلقائية من تصنيف مذهبي او عرقي، وهذا يعني رفض وضع 'الغيتو' الذي يحاول البعض ادخالنا فيه بالرغم منا!!.
احمد الصراف