المغرب والمشرق
غادرت الكويت في منتصف اكتوبر الماضي متجها الى لبنان في طريقي الى لندن في رحلة عمل كان مقررا لها ان لا تزيد عن اسبوع واحد.
لسبب ما، امتد الغياب الى ما يقارب الشهر وتحول العمل الى سياحة، وقضيت اكثر الوقت فوق جبال لبنان وبين سهوله، وبعضا منه لمشاهدة باريس من علو شاهق، وانهيت ما تبقى من الوقت سائحا في شوارع وأزقة الدار البيضاء، وانتهى الامر بي اخيرا في فندق المأمونية، وما جاورها من 'معالم' في مراكش المغرب!
وحيث ان زيارة 'المغرب' كانت بصحبة صديق عزيز وزوجته اضافة بالطبع الى شريكة حياتي، وربما مماتي! فقد كانت الفرصة اكبر لمشاهدة أهم 'معالم' تلك البلاد البعيدة عنا ثقافيا وجغرافيا، والتي قلما نفكر بزيارتها 'سياحيا' والتي فاجأتني بأنها اقرب لنا، نحن بعض اهل الشرق، وفي كثير من الامور، مما كنت اتصور، ومن شعوب كثير من دول الجوار.
بالرغم من ان المغرب بملايينه الثلاثين هو الاقرب لحضارة اوروبا، لغة ومسافة واحتكاكا، وبالرغم من تاريخه الحضاري الطويل وثراء تراثه وغناه الثقافي، الا ان المملكة المغربية تعتبر، وحسب احصائيات الأمم المتحدة، من اعلى الدول العربية في نسبة انتشار الأمية بين مواطنيها.
وبالرغم من مهارة العامل المغربي المعروفة عالميا في الصناعات اليدوية الدقيقة الا ان هناك غيابا واضحا للحس التجاري لدى غالبية رجال الاعمال، وربما يحتاج الامر لبعض الوقت للتعود على هذه المهارة الضرورية والمكملة لبعض الصناعات التي بدأ المغرب يتميز بها.
عندما نقارن حالة المدن والحركة والسكان في مدينة كبيرة مثل الدار البيضاء بملايينها الستة بمدن كبيرة اخرى مثل القاهرة وبيروت ودمشق، نجد ان شعب تلك المدينة اكثر هدوءا ورقيا في تعامله مع الآخرين ومع بعضه البعض سواء في قيادة السيارة او البيع والشراء او ما يتعلق بالدماثة الواضحة في التعامل مع الغير او بين بعضهم البعض، التي يجدها اينما ذهب.
لم تسلم المملكة المغربية، مثلها مثل اي مجتمع عربي آخر، من تخبط اقتصادي على مدى العقود الاربعة الاخيرة ونتج عن ذلك بطبيعة الحال، كما هو الامر مع غالبية الدول العربية الاخرى، نشوء طبقة صغيرة جدا فاحشة الثراء ضمن محيط كبير من الفقر مع غياب شبه تام للطبقة الوسطى المدربة والماهرة.
يمتاز المغربي بشكل عام بكرم نفتقده في الكثير من شعوب المشرقِ كما ان تعاملهم مع السائح او الغريب يتم بصورة اكثر حضارية وربما نتج ذلك من تعودهم على رؤية السائح الاوروبي الذي يمتاز بدماثة خلقه بشكل عام بالرغم من ان النوعية التي تزور المغرب بحثا عن التاريخ ودفء الشمس اصبحت مؤخرا من نوعية 'الباكج تورز' وهي التي تدفع مبلغا معينا في بلادها مقابل تمتعها بالاقامة والتنقل والطعام لفترة محددة بحيث لا تصرف غير ذلك الا القليل على شراء بعض التذكارات وتحميض الافلام.
الكلام عن المغرب يطول، والحديث عنه وعن اهله ذو شجون، ويحتاج الامر الى العودة له مرات ومرات والكتابة عن الكثير من الامور التي ادخلت السرور الى قلوبنا تارة وآلمتنا تارة اخرى مثل: مشكلة التعريب التي نتج عن تطبيقها بصورة حازمة وسريعة، نتائج سيئة اثرت وستؤثر على مخرجات التعليم في تلك البلاد لسنوات طويلة مقبلة، ولنا عودة لهذا الموضوع بالذات في مقال لاحق.
احمد الصراف