الافراج المؤقت والمشروط
'كل واحد منا ملزم بدفع قيمة ما يود الحصول عليهِ الذكي هو الذي يدفع أقل ما يمكن للحصول على اي شيء وفي اي وقت!'.
(الكاتب الاميركي: جون شتاينبك)
* * *
هذا مقال أضعه برسم بعض اعضاء المجلس التشريعي الغيورين.
ازدادت بعد التحرير حالات النصب والاحتيال والاثراء غير المشروع، خاصة من مواطني الدولة الذين تم رفع غطاء 'السوبر' عن الكثيرين منهمِ وتعتبر جناية اصدار الشيكات، واستغلال بعض الثقة بهذه الاوراق المالية التي كانت سائدة في فترة ما قبل الغزو الحقير، من الاسباب الكامنة وراء وجود العديدين وراء القضبان، كما ان بينهم نسبة كبيرة من النساء (السيدات سابقا)! ويتسبب وجود هذا العدد الكبير جدا، من المحكومين بقضايا تتعلق باصدار شيكات بدون غير رصيد، في العديد من المشاكل للجهات الامنية ولعائلاتهم ولمدينيهم، اضافة الى ما يتسببون فيه من مضايقة لزملائهم المساجين الآخرين بسبب ضيق السجون بنزلائها!
ولا يبدو ان احدا يملك حلا سحريا لهذه المشكلةِ فمن جهة يود الجميع ان يكون للشيك، كأداة سداد، نوع من الاحترام والثقةِ كما يرغب الجميع في المتاجرة والبيع نقدا او عن طريق شيكات بدون ان يعرض نفسه وتجارته لخسارة اذا ما تبين ان ما بيده من شيكات لا قيمة لهِ وفي الوقت نفسه يعتقد الكثيرون ان زج مصدر الشيك غير المدفوع في السجن سوف لن يكون في نهاية الامر في صالح احد، خاصة الدائن، ولكن كيف يمكن ردع الناس ومنع المجرمين من استغلال الشرفاء والمتعاملين بحسن نية في الشيكات النقدية او مؤجلة الدفع؟
* * *
قامت حكومة دولة الامارات مؤخرا باصدار قانون عملي وجيد يعالج هذه المشكلة، بعد ان ارتفع عدد المساجين عن تهم اصدار شيكات من غير رصيد في تلك الدولة بشكل رهيب في الفترة الاخيرةِ فقد تبين لها، ولكل عاقل ايضا، ان وجود 'كل' مدين معسر او ممتنع عن الدفع في السجن امر غير مفيد في جميع الاحوال، وذلك للاسباب التالية:
1- ان المدين قد يكون المعيل الوحيد لعائلته، وغيابه القسري والمفاجئ قد يحطم الاسرة وربما يؤدي الى انحراف افرادها.
2- ان وجود المدين في السجن سوف لن يفيد مدينه او مدينيه، فهو عاجز تماما عن الكسب والمساهمة في دفع ديونه.
3- ان وجود شخص معسر ماديا في السجن واختلاطه بمختلف انواع المجرمين واصحاب السوابق وهو بتلك الحالة المؤسفة من الاعسار، قد يكون سببا مباشرا في انحرافه واقترافه جرائم اخرى فور خروجه او حتى اثناء وجوده في السجن.
4- ان غيابه عن عمله التجاري، ان كان تاجرا، قد يكون سببا في وضع نهاية لاي امل للدائنين في الحصول ولو على جزء من ديونهم.
5- ان وجود المدين، والتاجر بالذات، في السجن يعطي فرصة ذهبية لمدينيه من اصحاب الذمة الواسعة، وما اكثرهم هذه الايام، للتملص من مسؤولية دفع ديونه وعدم الاعلان عنها والتذرع بمختلف الحجج لعدم دفعها.
6- ان وجودهم في خارج السجن يؤدي للتخفيف من الضغط والاكتظاظ الكبيرين في السجون المركزية او الفرعية.
وبناء على هذه الحقائق، او ربما غيرها، فهذه الامور من تصوري الخاص، فقد رأت حكومة تلك الدولة ان من الافضل تسهيل عملية الافراج 'المؤقت' عن بعض المحكومين بجنح اصدار شيكات من غير مقابل كاف، خاصة أولئك الذين لهم اعمال وحسابات وديون ومطالبات كبيرة على الغير، قد تكون عملية الافراج الاداري والمؤقت عنهم في صالحهم وصالح دائنيهم، وقد تمكنهم من التفاوض مع دائنيهم ومدينيهم للوصول الى حلول تكون في صالح الجميع.
غني عن القول ان هذه العملية تحتاج لان تخضع لشروط معينة بحيث لا تكون فرصة يستغلها كل محتال أفاق للتحلل مما ترتب عليه من التزامات مالية للغير، ومن هذه الشروط مثلا:
1- ان لا يزيد دينه عن مبلغ معين ترى الجهة المعنية ان من الممكن، لو توفرت له فرصة الحركة بحرية ومباشرة اعماله، ان يسدد ولو جزءا مما تراكم عليه من ديون.
2- ان يثبت ان له ديونا على الآخرين في السوق او على الغير من الافراد، او ان طبيعة عمله او خبراته العملية قد تساعده كثيرا في سداد التزاماته.
3- ان يتقدم طرف ما، سواء كان مواطنا او مقيما، بكفالة المدين معنويا، ولفترة محددة، يمتنع خلالها اي منهما عن مغادرة البلاد.
لست مؤهلا من الناحية التشريعية او القانونية للفصل في هذه الامور والخوض فيها، ولكني اشعر ان شيئا ما يمكن عمله في هذا الصدد، فقد وصل عدد المساجين عن تهم تتعلق بشيكات بدون رصيد كاف الى رقم مخيف يتطلب سرعة تدخل جهة ما لفعل شيء جذري بخصوص هذه المأساة!
احمد الصراف