الحكومة السرية وخناجر الشيباني
لم تتسن حتى الان الفرصة للقوى الرجعية المتمثلة بالاحزاب المتسترة وراء الدين في تشكيل الحكومة في البلاد والتحكم من خلالها برقاب العباد، ولكن ما صرح به السيد عبدالله العلي بالامس للصحف وما ذكره محمد الشيباني في نهاية مقاله الاخير (12/10) كفيلان باماطة اللثام عن النوايا الحقيقية للاحزاب المتأسلمة والقائمين عليها، كما انها تبين، لكل من لا تزال على عينيه غشاوة حقيقة هؤلاء، والاسلوب الذي سيقومون باتباعه مع البشر متى ما اتيحت لهم الفرصة للاختلاء بهم والبطش بمقدراتهم!!
يقول السيد العلي في تصريحه الاخير للصحف، وبجرأة لا تصدر الا عن جاهل، وليس هو بذلك، او الواثق بمدى ضعف الطرف الآخر، وهو عالم بذلك، ان عددا من جمعيات النفع العام، وعلى رأسها جمعيته (الاخوان المسلمون في الكويت) قد اتفقت على توجه جديد يقضي برصد كل ما يكتب من طعن في ثوابت الدين وتقديمها للنيابة (!!!) واكد ان جميع ملفات الاشخاص المعنيين ستكون جاهزة قريبا وانهم سينالون الجزاء الذي يستحقونه بعد ان تمادوا في الباطل وتنكروا لدينهم ودين آبائهم واجدادهم (!!).
كما صرح بان باب التوبة مفتوح ومن تراجع عن غيه واستغفر ربه فلن تتخذ الجمعية اي اجراء ضده (!!!)ِ
لا يتسع المجال كثيرا للرد على كل هذه المغالطات والتعديات على حرمات واعتقادات الناس الخاصة التي كفلها الدستور!! ولا ندري ما سيكون عليه موقف الحكومة من مثل هذا الكلام الخطير الذي لا يمكن ان يصدر الا عن جهات تؤمن بالارهاب المسبق وبنظرية ضرب الصغير لكي يتعظ الكبير او العكس، ولا ادري لماذا افترض السيد العلي، وبطريقة واضحة، عجز وجهل كافة اجهزة الدولة ومؤسساتها عن ادراك حقيقة ما يكتب في الصحافة 'من طعن في ثوابت الامة' فقامت هي بمهمة التصدي لهذه الامور وجعلوا انفسهم اوصياء على الآخرين، بما في ذلك الاجهزة الرسمية العاجزة!!
لا ادري ما الذي دفع السيد العلي للاعتقاد بان من واجبه الشخصي وواجب احزابه الدينية رصد ما يسطره كتاب الصحف وتقديم ملفات بها لينالوا جزاءهم!!، ولا ادري كيف افترض السيد العلي ان ما قام بجمعه من مقالات، لم تشعر كافة اجهزة الدولة بخطورتها، سينال من كتبها حتما 'جزاءهم وعقابهم' عليها دون ان ينتظر حتى حصولهم على محاكمة عادلة!!
ولا ادري كيف افترض ان كل من كتب مقالا يخالف مضمونه رأي وفكر 'البشر' المشرفين على الجمعيات المتخلفة يعني بصورة تلقائية انه 'ناكر لدين آبائه واجداده ويستحق الجزاء على فعلته تلك'!!
اما ما ذكره بخصوص فتح باب التوبة في 'الجمعية' لكل من خرج على طريقة 'تفكيرهم' فان 'الجمعية' ستتقبل توبته (!!!) وبانها سوف لن تتخذ اي اجراء ضده!! فهو كلام نشكر السيد عبدالله العلي عليه، فقد عرت هذه الجملة كامل طريقة تفكير الجماعة وحقيقة ما يعتقدونه من حق بالوصاية على الآخرين وعلى مقدراتهم ومصائرهم، وبان بأيديهم منح البركة والتوبة لمن شاؤوا واحبوا كما ان بأيديهم ايضا توقيع العقاب وفرض الجزاء عن طريق تجهيز الملفات ورفع القضايا والاحالة للنيابة!! فهل نحن بصدد حكومة سرية لم نكن نعلم بوجودها حتى الآن؟؟
***
من جانب آخر كتب محمد بن ابراهيم الشيباني يقول في الفقرة الاخيرة من مقال له: 'دورنا كدعاة هو تهدئة الاوضاعِِِ ونضبط الشباب ونحثهم على الهدوء، والا فان هناك مجاميع كبيرة تقول: لن نسكت عن سب رسول الله او شعيرة من شعائر الدين فاذا اردتم منا السكوت والتهدئة فاوقفوهم عن هذه التجاوزاتِِِ'.
هل هذا كلام يقوله من يدعي ويؤمن بالتسامح وبالاسلام الذي يعني السلام وبالرحمة والمودة وبالمجادلة الحسنة والبعد عن الاكراه؟
وهل هذا كلام من يسعى ويعمل للانتخابات النيابية وغيرها من المؤسسات المدنية ويدعم فلانا ويؤازر آخر ويشد من عضد ثالث لكي يوصل 'جماعته' لأعلى المناصب واكبرها، ايمانا منه بالديموقراطية والدستور ودولة المؤسسات؟ وهل هذا كلام من يدعو لاحترام هيبة الدولة ويؤمن بتعدد السلطات واستقلاليتها وبان القضاء هو الفيصل في كل ما يثار بيننا من خلاف؟
وهل من المستساغ او المقبول ان يهددنا، اي كان، بانه يملك حق تحريك 'مجاميع كبيرة من الشباب' الغوغاء 'بين يديه؟! وهل من المعقول ان يهدد كاتب مواطنيه وقراءه بانه سيترك الحبل الذي يمسك به والذي يقيد به هؤلاء الشباب لينفلتوا على الآخرين ويعملوا بهم السيف والخنجر والسكين وينهشوا لحومهم لمجرد وجود شبهة في قول او اشاعة عن ذكر؟؟
وهل هذا هو شكل الدولة التي دعت لها الاديان السماوية؟؟!!
ان الوضع مؤلم ويدعو بالفعل الى الحزن، ويجعلنا نشعر باليأس التام بسبب الدرك الاسفل الذي وصل له الفكر والمنطق في منطقتنا!!
أحمد الصراف