تعسف الآخرين
كتب الفيلسوف البريطاني وعالم الرياضيات برتراند رسل يقول:
'ان جوهر الليبرالية لا يكمن في ما نحتفظ به من آراء، ولكن في الكيفية التي نحتفظ بها بتلك الآراء، فبدلا من ان نتبع التعسف والغطرسة، علينا ان نحتفظ بتلك الآراء بطريقة تجريبية غير نهائية وبوعي تام بأن ظهور أية حقائق جديدة قد تجعلنا نتخلى عن تلك الآراء'.
* * *
جاء في كتاب 'الحل الاسلامي فريضة وضرورة' للدكتور يوسف القرضاوي الفقرة التالية:
'لقد ثبت فشل الحلين الدخيلين على بلادنا، المستوردين من عند غيرنا وهما: الحل الليبرالي الديموقراطي والحل الاشتراكي الثوري في كل مجالات الحياة، وكان إثم كل منهما اكبر من نفعه وفشله اضعاف نجاحه'(!!)
لا ادري المقصود بكلمة 'بلادنا' وهل تعني دولة خليجية معينة، حيث يعمل السيد القرضاوي؟ ام دول مجلس التعاون؟ ام ان المقصود الدول العربية مجتمعة؟
لكي نغلق الباب امام اي جدال غير مرغوب فيه، ومن منطلق حسن النية، فاننا سنفترض ان مؤلف الكتاب قد قصد بكلمة 'بلادنا' كافة الدول الاسلامية، عربية وغير عربية!.
ويبدو من واقع تجربة الكاتب الشخصية والعملية، ومن مشاهداته اليومية او عن طريق الاطلاع على الدراسات والكتب والمستندات، فشل التجربة او الحل الليبرالي الديموقراطي بلادنا! ولا نود ان نتكلم هنا عن الحل الاشتراكي الثوري فلا خبرة لنا به او معه.
ونتساءل هنا عن اسم تلك الدولة العربية او الاسلامية التي قامت بتطبيق التجربة او الحل الليبرالي الديموقراطي، وفشلت في ذلك بحيث ثبت لدى الشيخ القرضاوي، وبما لا يدع مجالا للشك، فشل هذا النوع من طرق الحكم!.
وكيف نقول ونجزم بفشل امر او تجربة لم تقم دولة عربية او اسلامية واحدة بتطبيقها بصورة صحيحة او حتى شبه صحيحة؟ وكيف عرفنا ان مقدار إثمه اكبر من نفعه، او ان فشله اضعاف نجاحه؟!
وهل من المنطق او الصواب اعتبار كافة الدول الاخرى، من اليابان شرقا الى المكسيك والبرازيل غربا، مرورا بدول اوروبا الغربية وكندا واميركا وتعريجا على استراليا ونيوزيلندا، على خطأ ونحن على ما نحن فيه من 'كلك' وتشرذم وتخلف علمي وعملي على كافة المستويات، وتأخر صناعي وزراعي ومالي واقتصادي، والاهم من كل ذلك افتقاد مواطني الغالبية الساحقة من شعوب الدول الاسلامية لأبسط حقوق الانسان، على صواب؟
من حق من شاء ان يدعي ذلك ويصر عليهِ ومن حق الشيخ القرضاوي ان يكتب ما يشاء، ولكن فقط بعد ان نعطي التجربة حقهاِ فان ثبت فشلها نلفظها ونكتب عنها ما نشاء من معلقات وبكائيات ومرثيات!! اما قبل ذلك فما قيل في الحل الليبرالي الديموقراطي وما قاموا باصداره من احكام عليه من دون اية تجربة حقيقية، او شبه حقيقية، انما يدل بصورة واضحة وجلية على مدى الخواء الفكري للبعض من 'مفكري' وكتاب التحزب الديني!! ولا نود ان نزيد على ذلك.
احمد الصراف