العلم في الكبر
'بعض الكتب كتبت ليتم تذوقها، وبعضها الآخر ليتم ابتلاعها والقليل منها ليتم علكها وهضمها'.
(فرنسيس بيكون 1625م)
* * *
اكتب اسبوعيا اكثر من عشرة مقالات يمنع من النشر دائما واحد او اثنان منها واحتفظ بواحد او اكثر منها للمستقبل لخصوصية مواضيعها، ويتم نشر خمسة او ستة منها بصورة او باخرى!! كما امارس الرياضة الخفيفة بشكل مستمرِ واقضي وقتا طويلا في قراءة خمس صحف على الاقل يوميا اضافة الى قراءة الدوريات والكتب مختلفة المواضيع، كما ان لدي الوقت لادارة ثلاث شركات مختلفة النشاط واقوم بزيارة 'ديوانيتين' في يوم السبت من كل اسبوع، وأستمتع كثيرا بالاستماع للموسيقى ساعتين كل يوم وبصورة متفرقةِ كما اقوم وزوجتي بزيارات متعددة طوال الاسبوع لاصدقائنا او نقوم باستقبالهم في بيتنا بشكل مستمر، ولساعات متأخرة جدا من الليل، وكثيرا ما نتناول طعام العشاء او الغداء في الخارج مع جيراننا او نقوم بمشاهدة فيلم سينمائي معهمِ كما اقوم برحلات عمل واستجمام واستحمام تزيد عن العشر في السنة الواحدةِ واثناء ذلك لا انقطع عن زيارة الاهل، وأهتم برفاهية عائلتي بشكل معقول، كما اجد متعة كبيرة في العمل في البيت!
والسؤال هو: كيف يمكن ايجاد الوقت الكافي للقيام بكل ما ذكرته اعلاه وبصورة مقبولة؟ والجواب بسيط جدا، وربما ابسط مما يتصور الكثيرون، فكل ما يتطلبه الامر هو الامتناع عن الجلوس امام التلفزيون بصورة تلقائية كل مساء او كلما وجدنا وقت فراغ لا نعلم كيف نقضيهِ فلو قام كل فرد منا باحتساب الوقت الذي يقضيه في مشاهدة التافه من البرامج التلفزيونية، وما يتخلل كل ذلك من اعلانات واخبار من نوعية 'استقبل وودع وسافر ووصل' لكي يوفق في نهاية الامر في الظفر بشيء 'قد' يستحق المشاهدة، لأدرك كم من الوقت الثمين يضيع علينا ونحن متسمرون امام تلك الشاشة الصغيرةِ وأعتقد ان القلة فقط تقوم بقراءة ما تقوم الصحف بنشره كل يوم عن برامج التلفزيون وتقوم بناء على ذلك بترتيب وقتها بحيث تتمكن من مشاهدة ما تحب من برامج معينة في وقت معين من دون ان تمر بمتاهات البرامج التافهة والسخيفة، في اي محطة تلفزيونية كانت!!
لا اكتب هذه الكلمات من منطلق شخصي او لتعريف نفسي بالقراء، بل للتعليق على ما تعانيه مجتمعاتنا من عزوف شديد عن القراءة، وكراهية لكل ما يشبه شكله شكل الكتاب، الذي ربما يعود سببه لما ورثناه من تراث مدرسي تسبب في اصابة الكثيرين منا بمرض معاداة كل ما له صلة بالمدرسة والمذاكرة والحفظ والصم والبصم!!
وعليه، فانني من اشد المعجبين بالمشروع الرائد والرائع الذي تبناه مؤخرا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والذي طبق صيف هذا العام، والذي يهدف لخلق قاعدة لجيل يتآلف مع الحرف والكلمة المكتوبة منذ الصغر فتتم عملية التعود، كما ذكر في تحقيق 'القبس' (21/8) بيسر وسهولة تطبيقا للقاعدة المعروفة 'العلم في الصغر كالنقش على الحجر'!! واملنا ان يبقى المشروع في ايد امينة تؤمن بالانفتاح على ثقافات الشعوب وتؤمن بالحرية الفكرية!! وفهمكم كاف!.
احمد الصراف