النفخ في قربة معطوبة
'ِِعلى الرغم من انني قد تجاوزت الخمسين بسنوات تزوجت خلالها، وانجبت البنين والبنات، وتعرضت، واياهم للعديد من الامراض والعملياتِ ودخلت خلال فترة عملي مئات التعاقدات كسبت من ورائها الملايين بعد المئات ورأيت اكثرها يتبخر امام عيني تبخر المياه من البحيرات!! الا انني لا اتذكر ان اعصابي قد توترت في اي وقت كما حدث لها في ليلة الانتخابات النيابية الاخيرة، وانا جالس، والصديق نجيب الحميضي، في بيتي نتابع نتائجها وحولنا اكثر من خمسة هواتف نقالة، وثابتة دائمة الرنين في الاذن، والذهن، والبصر والبصيرة، نتابع من خلالها النتائج الغريبة، وغير المتوقعة، والتي كانت تتوارد الينا من مختلف المصادر!!.
لقد اعتبرت، ولسبب شخصي بحت، ان مصير اشياء كثيرة بالنسبة لي على الاقل سيتم حسمها بناء على نتائج تلك الانتخاباتِ فقد قررت مسبقا ان اتوقف عن الكتابة لو كانت النتيجة مخالفة لما كنت اتمنى واتوقع، حيث انني لم اكن على استعداد للاستمرار في النفخ في قربة معطوبة أو مثقوبة، وكنت، وبعد كل تلك السنوات التي امضيتها وغيري من الكتاب في الدعوة، كتابة وشفاهة، لمجتمع اكثر ايمانا بحقوق الانسان واحتراما لكرامته، اتوقع ان تجد تلك الدعوات قبولا ولو متواضعا في صفوف الناخبين وفي ضمائرهم، فلا يعقل ان اكتب ويكتب زملائي الصحافيون والكتاب ألاف المقالات لصالح مجتمع افضل وينتهي الامر باختيار مجموعة بائسة وتعيسة تنتمي لقرون سالفة ونسكت عن ذلك ونرضى ببقاء الحال، والاستمرار في الايمان بالتغيير الذي سوف لن يأتي أبدا!!ِ
على كل حال لا نريد ان نتفاءل اكثر من اللازم، فعلى الرغم من جودة نوعية عدد ممن تم اختيارهم كاعضاء في مجلس الامة المقبل، فانهم في نهاية الامر، مع كامل احترامنا لهم، لا يمثلون الا انفسهم اولا واخيراِ وهذا يعني ان مجموعة هائلة من الاهواء والمصالح والرغبات، ونقاط القوة، والضعف ستتحكم في طريقة تصرفاتهم في المجلس المقبل، والمكون في حقيقة الامر من خمسين حزبا سياسيا، وهو عدد الاعضاء الذين تم انتخابهم!! فمن دون احزاب سياسة ذات برامج محددة واضحة لا يمكن ان نتوقع تغييرا كبيرا، وواضحا، وهو الامر الذي نحن بأمس الحاجة اليه بعد ان اتسعت في السنوات الاخيرة الهوة التي تفصل بيننا وبين اقل الدول تقدما الى درجة اصبح فيها السير بطريقة السلحفاة، التي نسير عليها الآن والتي تجبرنا احيانا كثيرة للنظر الى الخلف والتحسر عليه وتمني العودة اليه، امرا غير مقبول في كافة الاحوال.
تحية للفائزينِِ و'هارد لك' للخاسرين، وخاصة الصديق والزميل علي البغلي، وما عليه والآخرين الا الاتعاظ بما قاله مرة الزعيم البريطاني تشرشل بان كافة البشر يموتون مرة واحدة اما السياسيون فانهم يموتون (ويعودون للحياة) مرات عديدة!!.
ولو نظرنا لنتائج الانتخابات الاخيرة لعرفنا مدى دقة ما قاله تشرشل!!.
ملاحظة أخيرة:
لو اجبرت الحكومة كل مرشح، فائز أو خاسر، بزرع شجرة مكان كل علامة، ولافتة انتخابية قام بازالتها بعد ان خرب، وشوه بمنظرها الارصفة والشوارع، لكانت النتيجة عددا اقل من التخريب، والتكسير والتشويه خلال الحملة الانتخابية!! واشجارا وخضرة وطراوة اكثر بعدها!!.
أحمد الصراف