عالم ما تحت الأرض!!
لم تصب الحركة السياسية الدينية المحلية في العقود الثلاثة الاخيرة بصدمة وفضيحة تماثل ما انكشف حتى الآن في قضية السيد فلاح اسماعيل مندكار!! فقد احتوت الحادثة، او الفضيحة، على كل عناصر الإثارة من ضرب واغتصاب واستغلال لاملاك الدولة، وصراع سياسي بين مختلف التيارات الدينية، وجنس وجنسية مثيرة للجدل!! وما جعلها اكثر اثارة ما احتوته من اساليب 'مخابراتية' مثل التنصت على المحادثات الهاتفية، وانتزاع الاعترافات بالعنف، وتسجيل احاديث غرف النوم الحميمة، واستغلال المرأة الجميلة، والضعيفة غالبا، في الايقاع بالطرف الآخر!.
لا اعتقد بأن هناك جهة واحدة تعرف بالدقة حقيقة ما حدثِ ويعود ذلك الى ان احد اطراف الفضيحة رجل دين يحمل شهادة عالية، ويقوم بالتدريس في كلية الشريعة، ويؤم الناس في مسجده ويخطب في الآلاف في صلاة الجمعة، كما يقال إنه صاحب طريقة دينية تسمى 'بالمندكارية'!، اما الطرف الآخر، فهو مجموعة من الشباب المتدين سياسيا وعقائديا، ومن نشطاء معسكرات الربيع، وممن يعتقدون بأن الدين قد وضع على عاتقهم مسؤولية اصلاح ما يمكن اصلاحه في المجتمع، ومن المسنودين من مجموعات سياسية كبيرة ومتنفذةِ وهذه كلها امور كفيلة بأن تجعل مسألة معرفة ما حدث بالضبط، ومن الصادق، ومن الكاذب في كل ذلك السيل من الاخبار المتضاربة مسألة شائكةِ وما يجعل الامور اكثر غموضا ان مجموعات دينية حزبية كثيرة ذات نفوذ سياسي شديد التأثير وقوة مالية خرافية الحجم تقف وراء كل طرف 'تشد من ازره'، وتتوسط له لدى الجهات الحكومية من اجل عدم التوسع في التحقيقِ فتناقض التصريحات يجب ان ينتهي بتوضيح الحقيقة التي تعني ان احد طرفي الفضيحة كاذب أفاق!! وهذه هي النتيجة التي تتخوف الاحزاب الدينية من ان تصل الامور اليها، والتي لن تكون، سياسيا او دينيا او دعائيا، في صالحهم وهم في أوج معركة جمع ما يمكن جمعه من مال من اجل اهالي كوسوفو!.
تبين احداث الاسبوع الماضي مدى التخبط الذي وقع فيه الكثير من المراجع الحكومية بسبب تلاحق انباء الفضيحة وتسارعهاِ فقد قام السيد عبدالله الزير، الوكيل المساعد لوزارة الاوقاف، وفور سماعه باعترافات الدكتور مندكار، بإصدار تعليمات اوقف بموجبها الدكتور مندكار عن مهمة الخطابة في مسجده بالفحيحيل (او الاحمدي)ِ كما طلب منه التوقف عن إمامة الناس في صلاة الجمعة التاليةِ كما طلب الوكيل من مسؤولي الوزارة التحقيق في وضع كافة البيوت والملاحق التي منحت للأئمة والمؤذنينِ وتوجت الوزارة قراراتها بإحالة موضوع الدكتور مندكار برمته الى جهات التحقيق.
غير الوكيل المساعد قراره بعد 24 ساعة فقط 180 درجةِ حيث قام شخصيا بمقابلة الشيخ مندكار والاعتذار له عما لحق بسمعته من اساءة جراء قرار الوزارة المتعلق بايقافه عن العمل في المسجدِ كما قال له ان وزير الاوقاف سيقوم بمقابلته بعد عطلة رأس السنة الهجرية مباشرة، وطلب منه الاستمرار في مزاولة مهمته في الإمامة والخطابة!.
في اليوم التالي، قامت وزارة الاوقاف مرة اخرى بالتراجع عن قرارها، وقررت، بلسان وزيرها، سحب البيت (الملحق) من الشيخ مندكار 'لأنه استعمله لغير الغرض الذي خصص من اجله، وبأن موضوع ايقافه عن الخطابة جاء نتيجة لتداعيات موضوع السكن وليس بسبب موضوع الاعتداء عليه'!ِ ومن جانب آخر، وفي اليوم نفسه، ادلى وكيله المساعد بتصريح مختلف عن تصريح الوزير، حيث قال ان توقيف الدكتور عن الخطابة جاء في ضوء التحقيقات التي لا تزال تجرى معه!.
وهكذا يمكن ان نستنتج أن هناك اكثر من مركز قوة يعمل ضمن كواليس وزارة الاوقاف والحكومة ككلِ وان كل جهة تعمل لانقاذ الطرف المحسوب عليها، كما تعمل جميع الاطراف، سواء المتورطة في الموضوع او الداعمة لأطرافه، على عرقلة عملية 'انكشاف' الحقيقةِ فالقضية، بصرف النظر عن نتائجها النهائية، قضية مخجلة وخطيرة، وستكون لها انعكاساتها الايجابية على مجمل الوضع العام، وهو الامر الذي لا تريد مختلف الجهات المتورطة والمتنفذة تحققه.
أحمد الصراف