كيف نكون اوفياء؟

احتفظ عادة بأرقام هواتف الاهل والاصدقاء والآخرين في مكانين: ذاكرتي ودفتر التلفونات الصغير الذي احمله في جيبي، والذي نادرا ما الجأ اليه، ولكن مرة كل عام، وبالتحديد في اليوم الثاني من العيد الكبير، اجري عملية مسح شاملة لكافة محتوياته فألغي او اضيف ما استجد من اسماء وارقامِ وتتخلل عملية المسح مراجعة لاسماء معينة اقوم عادة بالاتصال بها اما للاطمئنان على صحة اصحابها او لتهنئتهم بالعيد، او المهمتين معا، وربما تكون هذه حالة التواصل الوحيدة التي امارسها بعد ان نأيت بنفسي عن الكثير من 'عاداتنا وتقاليدنا'.
قمت قبل ايام، وبالتحديد في ثاني يوم العيد، بالاتصال بالدكتور احمد محيي الدين سلامة، وهو من الشخصيات الكريمة التي احرص على حفظ التواصل معها للعديد من الاسباب التي سيأتي ذكرها لاحقاِ وقد فوجئت بابنه مروان يخبرني بانه قد خرج لتوه من المستشفى حيث مكث هناك فترة طويلة تحت العناية المركزةِ وقد خجلت من نفسي لعدم معرفتي بذلك الامر للقيام بواجب زيارته والاطمئنان على صحته الغالية علينا، وربما كان عذري أنني كنت خلال تلك الفترة في رحلة عمل في الخارج.
يعتبر الدكتور احمد سلامة من اوائل من مارس مهنة الطب في الكويتِ واذكر جيدا انني لم اكن قد تجاوزت العاشرة بكثير عندما ذهبت مع والدي لاول مرة لزيارته ولاجراء بعض الفحوصات الطبية في عيادته بالمستشفى الصدري في منطقة شرق 'الصناعية' (!!!)، ومنذ ذلك اليوم وانا معتاد على رؤيته ومعاملته بفخر كواحد من كبار العائلة، وكان دائم التواصل مع المرحوم جدي، ويحرص على زيارته في محله وفي البيتِ وكان جدي يقوم بزيارته في بيته احيانا وفي عيادته احيانا اكثر بكثير.
وطوال هذه الفترة، وخلال كل تلك اللقاءات كان، ولا يزال، مثال الرجل المهذب وصاحب الخلق الطيب والابتسامة الساحرة، وبالرغم من قربه مني و'ميانته' القوية علي وعلى اولياء امري الا انني لا اتذكر انه حاول ولو لمرة واحدة ان يتبرع بنصائح معينة تتعلق بطريقة تربيتي او عيوبي، وما كان اكثرها!! وكنت، ولا ازال احترم فيه هذه الخصلة الجيدة.
عمل الدكتور سلامة كطبيب ممارس وشغل اعلى المناصب الادارية في وزارة الصحة، قام بعد تقاعده من العمل الحكومي بفتح عيادة خاصة في منطقة كانت قلة من الاطباء تعرف اين تقع، فما بالك بممارسة الطب فيها، وقد جاء قراره ذلك من منطلق ان سكان تلك المنطقة هم الاكثر حاجة لتخصصه من بقية مناطق الكويت.
تميز عملة دائما بالاخلاص التام والصدق في المعاملة، وكان كثيرا ما يتبرع بزيارة وعيادة مرضاه في بيوتهم وخارج وقت عمله الحكومي، والسؤال عنهمِ وكون من خلال ذلك مجموعة من الصداقات التي لا اشك في انها باقية معه الى اليوم.
يستحق هذا الرجل المخلص والكبير في مقامه و صاحب النفس العزيزة منا اكثر من تحية واكثر من باقة ورد واكثر من سؤال عن صحته وتمني دوام العافية له، فما قدمه لنا ولمن سبقنا من خدمات صحية وطبية ونفسية لايقدر بثمنِ ولو كنت في مركز اتخاذ القرار لما ترددت في منحه وسام الخدمة الممتازة نظير جليل خدماته للكويت واهلها خلال نصف قرن من الزمن.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top