اليانور روزفلت وحقوق الانسان (2)

من السهل والمقبول اطلاق صفة 'عالم' على شخص لم يتجاوز العشرين من العمر في عصر المعلومات والكمبيوتر الذي نعيش فيه، حيث ان من الممكن وجود فرد ملم إلماما تاما بموضوع محدد بشكل يجعله مرجعا فيه، وهذا يقتصر على العلوم الحديثة بالطبعِ ولكن من جانب آخر، من الصعب ان نطلق لقب 'حكيم' على شخص في مقتبل العمر، حيث ان اكتساب الحكمة مسألة أكثر تعقيدا وتتطلب الكثير من الحنكة ومعرفة أمور الحياة، وهذه أمور غالبا ما تأتي بعد معاناة وتجارب وقراءات متعددة متنوعة، وفي شتى المعارف، وعن مختلف المشارب والأهواء، وغالبا بعد عمر طويل.
وفي مقابلة للدكتور يعقوب حياتي في مجلة 'الحدث' أعجبتني اجابته على سؤال يتعلق بتعريف المثقف حيث قال بالحرف 'ِِ انه ذلك الانسان الذي يتمتع بأكبر قدر من الاحساس بقضايا حقوق الانسان، وعندما نجد ان هناك شخصا لديه قدر كبير من المعلومات والثقافات ولكنه يتجرد من الحس الانساني، فهذا شخص لا يعتبر مثقفا!!'.
وهذا باعتقادي هو أجمل تعريف قرأته حتى الآن في تحديد من هو 'المثقف'، حيث ان بلوغ مرتبة معرفة حقوق الانسان والايمان بهذا الامر والعمل بموجبه لا يتأتى هكذا، وبطريقة جزافية او بالصدفة، بل يسبق هذا الايمان قراءات ومطالعات شتى وفي مختلف العلوم الانسانية، وغالبا بأكثر من لغة، ومن أكثر من مصدر ولأكثر من حضارةِ كما يتطلب أمر الايمان بحقوق الانسان الاستعداد النفسي والفكري التام للانفتاح على ثقافات الشعوب الاخرى، وتقبلها كحقيقة واقعة والتفاعل معها بطريقة ايجابية، وعدم تسطيح طريقة تفكير الآخرين لمجرد الاختلاف معهم في الرأي او في الطريقة التي يقومون فيها بتفسير مختلف أمور الحياةِ كما يتطلب الأمر أيضا البعد عن تكفير الآخرين او اخراجهم من الملة والحجر عليهم وفرض الضرائب الغريبة عليهم لمجرد أن تفسيرنا للنصوص الخاصة بنا تبيح لنا ذلك!!.
تعتبر مسألة الايمان التام والعميق بحقوق الانسان، ومعاملة الآخرين كبشر ذوي كرامة واحساس، بصرف النظر عن جنس أو لون أو عرق أو دين الطرف الآخر، مسألة بالغة التعقيد وصعبة التحقيقِ فغالبية الناس تود أن يعاملها الآخرون بطريقة انسانية ولكنها ليست على استعداد لأن تعامل الآخرين بالمثلِ كما ان نسبة كبيرة تتذرع بعدم تطبيق ما اتفقت عليه دول العالم، فيما يختص بحقوق الانسان لاعتقادها بمخالفة ذلك لقناعاتها الدينية او تقاليدها المحلية.
تكرر من المعارضين للاتفاقية الدولية لحقوق الانسان القول بان 'ِِ ليس للناس كرامة في دول الغرب حيث يتم عرض النساء في الفترينات ويتم استغلالهن في الدعايات التجارية الرخيصة، في الوقت الذي صانت اعتقاداتنا الدينية المرأة في دولنا من مثل هذه التصرفات الرخيصة!!ِِ'.
ويحار المرء حقيقة في معرفة طريقة تفكير هؤلاء، وهل يتكلمون عن قناعة تامة أم أن الأمر لا يتعدى ترداد ما تعودنا على تكراره من قول ولقرون عديدة من دون ان نفقه ما تجره هذه الأمور علينا من مصائب وويلات.
من المعروف لكل ذي فهم واطلاع، ولو قليلا، ان ما يتمتع به الفرد الغربي من حرية في التفكير والاعتقاد والاحساس التام بأنه يمتلك، والى درجة كبيرة، حرية التصرف والحركة، والأهم من كل ذلك يمتلك الاحساس الطاغي بالكرامة الانسانية بدرجة تفوق بأضعاف ما تشعر به بقية شعوب دول العالمِ وهذا الأمر ينطبق على الذكور كما ينطبق وبالمقدار نفسه على الاناثِ وعليه من سخف القول بأن كرامة المرأة الغربية مهانة، مقارنة مثلا بكرامة المرأة العربية والمسلمة عموماِ فهذه التعبيرات تكاد ان تضمحل من قاموس العديد من الدول العربية والاسلامية، بالذات بعد ان توقف استعمالها تماما في القرون العشرة الماضية على الاقل!!.
اما ما ندعيه بأن الحرة 'لدينا' تجوع ولا تأكل بثديها فهو كلام يحمل من السخف بقدر ما يحمل من تناقض، فما يتسرب من احصائيات وأرقام من هنا وهناك عن حالات الفساد الاخلاقي الموجودة في مجتمعاتنا والتي نحاول ان نتستر عليها بنواجذنا، ويبلغ بنا الهوس بمسألة الستر الى درجة نطلب فيها من الله والآخرين الستر علينا حتى عندما نكثر من الضحك أمام الآخرين!!.
ومن المفارقات الأخرى ما تعود الكثيرون منا على ترداده بأن ما تطالب به المنظمات العالمية لحقوق الانسان من ضرورة تطبيق بنود الميثاق العالمي هو تدخل سافر في امورنا الداخلية، فانه لا يعدو ان يكون نوعا من التناقض الواضح في التصرف، فعندما كنا تحت الاحتلال وكانت أعراضنا تنتهك وكرامتنا تهان وأرواح أهلنا تزهق كنا نستصرخ دول العالم ونطالب منظمات حقوق الانسان التدخل للوقوف بجانبنا وحفظ حقوقنا كبشر نستحق الحياةِ وما ان عادت بلادنا لنا وأصبحنا نقف على أرض صلبة رفعنا صوتنا رافضين تصرفات تلك المنظمات منددين بتدخلها في خصوصياتنا رافضين السماح لها بالعمل من أراضينا ضانين حتى بدعم من يمثلها في الكويت من المواطنين الشرفاء.
أما القول بأن علينا الأخذ من الاتفاقية بما يتفق مع 'خصوصيتنا العربية والاسلامية'، فهو قول يحتمل أكثر من تفسير ويطرح أكثر من سؤالِ فمن الذي له الحق في ان يقرر ما المقصود ب 'خصوصيتنا'؟ وما هي حدود هذه الخصوصية؟ وهل هناك اتفاق تام وبات بين الجميع بأن الدين، أي دين كان، يعارض حقوق الانسان، وحقه في ان يعيش بحرية وكرامة؟ ويصبح الأمر مضحكا، وربما مبكيا، لو قامت كل دولة باختيار ما تحب وتشتهي من بنود الميثاق الدولي لحقوق الانسان والتي تتلاءم وخصوصيتها، عندها ستكون الدول الصغيرة والتي تعيش في مناطق الخطر الأكثر تضررا من مثل هذا الأمر، وتصبح بنود الميثاق الدولي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به!!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top