قال موليير: "كلما كانت العاب مبيرة ، كان التغلب، عليها اكثر مدعاة للفخر"!!!.
لاستون
قال موليير: "كلما كانت العاب مبيرة ، كان التغلب، عليها اكثر مدعاة للفخر"!!!.
وقال شارل بيرد : "كلما كانت السماء اكثر اسودادا كان بالامكان رؤية النجوم بصورة اكثر وضوحا"!!.
***********
طلب ستون منشفة ليجفف كفية من العرق وليتمكن من الامساك بعصا القفز العالي. كان جوفه يغلي من الاثارة والتوتر مما هو مقدم عليه ولم تفلح محتويات كأس من الماء البارد في ان تقلل من درجة ما كان يشعر به من غليان في داخله ان عليه اليوم ان ينجح في قفزته التالية، بعد ان استقر الحاجز المطلوب منه القفز عنه علي ارتفاع سبع عشرة قدم !!! وكان ذلك اعلي بثلاث بوصات عن احسن رقم تمكن من تسجيله حتي تلك اللحظة في دورة الالعاب الاولمبية لما دون سن الثامنة عشرة.
تجاوز عدد الجمهور في المدرجات العشرين الفا وبالرغم من انتهاء اغلب المباريات ومعرفة نتائجها الا ان الجمهور الغفير بقي متسمرا في مكانه بانتظار معرفة نتيجة مباراة ستون ومنافسة علي لقب "البطل الاولمبي للقفز بالزانة" وذلك بسبب ما تتطلبه تلك اللعبة من قدرة بدنية عالية، وقدرة علي التركيز ، ومعرفة عالية بحساب المسافات وما يتطلبه الامر فوق كل ذلك من توقيت دقيق للحظة القفز، مع ضرورة توفر قدرة بدنية علي الطيران بالجسد لارتفاع يعادل ارتفاع مبني من طابقين!!! كل ذلك جعل لتلك الرياضة نكهة خاصة.
يفتقدها الكثير من انواع الرياضة الاخري , وجعل الجماهير في شوق لمعرفة نتيجة تلك اللعبة .
يتذكر ستون جيدا , ومنذ ان كان طفلا صغيرا يستمع لقصص والدته , بانه كان دائم الحلم بان يتمكن يوما من الطيران بجسده .
وكثيرا ما شاهد نفسه في احلامه وهو يطير بسعادة غامرة , وملات القصص , التي كانت ترويها امه , احلامه بالكثير من التفاصيل والالوان , فقد كانت امراة حالمة مملوءة بالعاطفة ومغرمة بدقائق الامور الي حد كبير
وكان والده عكس ذلك تماما , فقد كان عمليا بعيدا عن الرومانسية والاحلام , وكان يقول لابنه دائما "اذا اردت شيئا فيجب عليك ان تبذل الجهد لتحصل عليه" ومنذ ان بلغ ستون الرابعة عشر وهو يسير علي تلك القاعدة حيث بدا ممارسة رياضة رفع الاثقال بشكل منتظم وتحت اشراف والده شخصيا الذي تولي مهمة تدريبه , وكانت انضباطية ستون واصراره ومثابرته اقصي ما يطلبه اي مدرب من تلميذه , فوق ذلك كان ستون من ابرز تلاميذ صفه المدرسي , وكان يساعد والده ووالدته في اعمال الحقل الصغير الذي كانت تملكه عائلته , وكان اصراره علي تحقيق الامثل في كل شيء يقوم به مصدر قلق دائم لامه التي كانت دائمة الشفقة عليه , وكانت كثيرا ما تطلب منه ان يهدا قليلا وان يترك الامور تسير في طريقها ويعيش حياته كما ينبغي ان يفعل اي طفل في مثل سنه , وكانت في كل مرة تود البوح بما كان يجيش بخاطرها من قلق علي ابنها الوحيد , كان زوجها يقاطعها موجها كلامه لستون قائلا : ان اردت شيئا فيجب ان تعمل من اجل الحصول عليه !!!
ما ان سقط ستون علي ظهره علي المرتبة المطاطية التي تلقفه وهو يهبط من علو يزيد عن 17 قدما , وسمع هدير الجماهير التي كانت تملا المدرجات , حتي عرف بانه قد نجح في قفزته وحطم رقمه السابق , .
نهض ستون من مكانه واخذ يستعد لقفزته الثانية , وفجاة سمع ذلك الصوت الغريب الذي عادة ما يصدر من المدرجات عندما يفشل احد المتسابقين في تحقيق رقم ما , فعرف حينها ان منافسه قد فشل في محاولته اجتياز الحاجز , وحيث ان عدد حالات فشله في القفز تزيد عن عدد حالات فشل منافسه , وحيث ان القفزة التالية هي الاخيرة بالنسبة له , فقد تعلق مصير جهد عام كامل من التدريب والتعب والمثابرة بمحاولته التالية التي ستحدد من سيكون بطل تلك الدورة , صاحب الرقم العالمي الجديد والذي سيخلد الي الابد !!!
تم وضع العارضة علي ارتفاع 17 قدما و 9 بوصات وكان عليه ان ينجح في القفز من فوقها باي ثمن فقد كان علي غير استعداد للحلول في المرتبة الثانية .
ما ان امسك ستون بعصا القفز الطويلة والقوية التي ستحمل جسده الي كل ذلك العلو الكبير حتي شعر فجاة بقشعريرة تسري في بدنه من رهبة الموقف فقد كانت عائلته الصغيرة تراقبه من مكان ما في ذلك المدجرج الكبير , وكان الجميع يتوقع منه ان يفعل المستحيل ويحقق شيئا فشل العديدون في تحقيقه .
اصبح جسده يرتعش , ومن اجل ان يتغلب علي ما انتابه من توتر شديد اخذ يهز يديه ورجليه محاولا التخلص من كل ذلك التوتر الذي انقلب الي خوف كبير , ولكن باءت كل محاولته بالفشل واحس انه يستيقظ علي الارض من شدة الياس , فقد اصبح غير قادر علي استعادة هدوئه والسيطرة علي الموقف !! واخذ يتساءل عن السبب الذي جعله يشعر بكل ذلك الخوف الذي لم يسبق له ان شعر به من قبل .
وفجاة تذكر امه , وتذكر ما كانت تردده علي مسامعه وهو طفل صغير , بان عليه ان ياخذ نفسا عميقا عندما يشعر باي ضيق او خوف .
ما ان فعل ستون حتي شعر بان كل ما كان يشعر به من توتر ورهبة قد اختفي فجاة وتوقفت فجاة نسمة الهواء الرطبة الثقيلة التي كانت تضرب وجهه , واحس بالعرق البارد ينساب من بين فقرات ظهره . وما ان سمع تلك الموسيقي المميزة حتي عرف بان دوره قد جاء ليقوم بقفزته التالية والاخيرة !!!
اخذ نفسا عميقا اخر , وانطلق يجري باقصي سرعة نحو الحاجز والزانة الطويلة تهتز بين يديه , وعند نقطة معينة غرزها في الارض وضغط عليها بكل قوته فارتفع جسده في الهواء طائرا كما كان يطير في احلامه وهو صغير ولكنه لم يكن يحلم في تلك اللحظة وبدا وكان كل شيء يتحرك من حوله ببطء شديد , واحس بالهواء البارد المنعش يلفح وجهه كما لم يحدث له من قبل وشعر وكانه نسر كبير يحلق في الفضاء الفسيح .
لم يعلم ستون ان كان صراخ الجماهير المبتهجة والفرحة بسبب ما حققه من معجزة , هما اللذان قطعا سير احلامه واعاداه الي ارض الواقع , ام كان السبب ارتطام جسده بالمرتبة الاسفنجية .. اخذ يتخيل وهو متسلق علي ظهره في تلك اللحظة وضوء الشمس يغمر وجه امه وقال لنفسه ان والده سيشاركها ابتسامتها بالطبع , ولكن مالم يكن ستون يعلم به هو ان والده كان في عناق حار مع زوجته وقد اغرقت الدموع الغزيرة عينيه , وكان يبكي بحرقة لم تر زوجته مثلها من قبل .
مع كل تلك التغطية الاعلامية التي حصل ستون عليها وما شعر به من حب واعجاب من الاف الجماهير التي كانت تملا المدرجات , فقد تغيرت حياة ستون فجاة الي شئ اخر , ليس لانه اصبح بطلا قوميا في رياضة محببة وصعبة وليس لانه اصبح صاحب رقم عالمي جديد , وليس لانه حطم رقمه السابق باكثر من 9 بوصات ونصف البوصة وهذا ما لم يحدث من قبل , بل لانه مايكل ستون كان اعمي !!!!