انهيار العالم

بالرغم من انني قد تجاوزت الخمسين بسنوات الا انني لا ازال اتذكر الرعب المخيف الذي انتابني في ذلك اليوم وكان ذلك منذ ما يقارب الاربعين عاما والتي لا تزال ذاكره المؤلمة "جسديا" تحتل مساحة كبيرة في عقلي الباطن وربما الظاهر .
قام الوالد عندما كان يعمل في تجارة المواد الغذائية باستيراد كمية كبيرة جدا من الواح الشوكولاته "الكاكاو" من انكلترا . وكانت طلب تلك الكمية الكبيرة من الشروط التي وضعت لكي تجعل عملية طباعة اسمه عليها كوكيل للشركة المصنعة مسالة مقبولة من الناحية المادية .
تاخر وصول البضاعة واقبل الصيف باسرع مما كان متوقعا واصبح من الصعب الاحتفاظ بكل تلك الكمية من "كراتين" الشوكولاته في المخازن التي تفتقد ابسط وسائل التبريد , والتي تغطي اسقفها الواح "الشينكو" الحديدية الصدئة وخوفا من تلف البضاعة , في ذلك الجو شديد الحرارة تم نقلها الي البيت حيث تم صفها علي حوائط "الديوانية" والتي كانت من اكبر غرف البيت واكثرها برودة لوجود مكيف "عنتر" الفعال باحد شبابيكها , وتركت المنطقة الوسطي من الديوانية خالية للاستعمال العاجل والمؤقت من الامور !!!
وهكذا وبدون ارادة مني اصبحت تلك الغرفة مكان اقامتي المفضل , حيث كنت اقضي فيها , لسبب واضح اغلب وقتي .
وكانت اسعد اللحظات تلك الفترة التي تلي تناول وجبة الغداء , الدسمة دائما , حيث كنت هناك استلقي علي السجادة العجمية السميكة التي كانت تغطي منتصف تلك الغرفة وامسك بيد كتابا وتنشغل يدي الاخري بسحب الواح الشوكولاته من الكرتون الذي اوجده سوء حظه خلف راسي .
تطورت عملية سحب الواح الشوكولاتة وازالة ما عليها من ورق والتهامها بحيث كانت تتم بيد واحدة وبسرعة غريبة لم تكن تتجاوز الدقيقة بكثير .
بسبب صغر سني وقلة تجربتي في الحياة والاهم من كل ذلك جهلي بقوانين الطبيعة فقد تسبب ذلك في اصابتي في ذلك اليوم المشؤوم بحالة من الخوف والهلع اعتقدت فيها ان العالم كله وليس منطقة الشرق الاوسط او الجزيرة العربية او الحي الذي كنا نسكن فيه , وقد انهار دفعة واحدة حيث ادت عملية السحب المستمرة والمتسارعة من احي الكراتين التي كانت تقع في اسفل صف عال من الكراتين الاخري الي اختلال توازنها مما تسبب في انهيار صفين كاملين من تلك الكراتين الثقيلة علي جسدي الممدود بسعادة متناهية في وسط تلك الغرفة وبقايا طعم ورحيق اخر لوح شوكولاتة لا تزال تملا تجاويف فمي !!!
هذا يذكرني ببيتي الشعر اللذين جادت بهما قريحتي شاعرين من العراق قبل ان يقوم جراد الجهل الثوري باحتلال مقدارات تلك الدولة .
فقد تصادف ان تقابل الشاعران الي مائدة طعام في حفلة , ووجدا نفسيهما امام صحن مملوء بالارز تتوجه دجاجة واحدة فوق قمته .
استحي كل منهما ان يمد يده الي الدجاجة قبل الاخر فبقيت متربعة في مكانها لفترة , وفاجاة مالت الي جانب احدهما فصاح هذا مستبشرا وقائلا :
عرف الكرم اهله .... فتقدما !!!!
فرد عليه الا خر علي الفور : كثر النبش تحته ... فتهدما ...!!!!!

الارشيف

Back to Top