خلود خلود
يشغل موضوع الخلود بال الكثيرين، سواء كانوا ملوكا، أباطرة، فاحشي الثراء أو بشراً عاديين. ولم يتغير الوضع منذ آلاف السنين، وما نجده من معتقدات وفرق دينية روحية ما كانت لتوجد لولا ما لمسته من رغبة لدى البشر في الخلود في هذه الدنيا أو ما بعدها. وما تركه قدماء المصريين من آثار ومومياء يؤكد ذلك، فالمصريون أكثر من اهتم بالتحضير للحياة الأخرى، أو العودة للحياة نفسها، بصورة أو بأخرى، ولذلك نجح «بطاركتهم» أو رجال الدين في إقناع الفرعون بأنه سيعود للحياة مرة أخرى متى ما تم تحنيطه بطريقة محددة، وعندما يعود للحياة سيكون بحاجة لأشياء كثيرة، وبالتالي دفنوا معه كميات من الذهب والمجوهرات والطعام. كما أن البحث عن «ينبوع الحياة» أو مياه الخلود لم يتوقف يوما، وأنتجت هوليوود أفلاما وكتبت قصصا تتعلق بأساطير الخلود، وللعلم رأيه في كل هذا، فالجسم البشري معرّض، مثله مثل جسم أي حيوان أو نبات، للتآكل الداخلي والخارجي، وأن من الصعب على أحد أن يعمر لأكثر من 125 عاما، في أفضل الأحوال، ولا يعني ذلك أنه ليس بالإمكان إطالة العمر لسنين عديدة أخرى، ولكن لا أحد حتى الآن يودّ دفع التكلفة الجسدية والنفسية لمثل هذا الأمر، الذي يتطلب الاستعداد له منذ الطفولة تقريبا! وبالتالي المسألة تتعلق بالكيفية وليس بالكمية، فما الفائدة من العيش طويلا ضمن نظام غذائي ومعيشي بائس؟ وحيث إنه لا أحد يعرف متى سيموت، فمن المهم بالتالي أن نجعل شيخوختنا جميلة، وهذا يتطلب جهدا اقل بكثير من الجهد المطلوب لإطالة العمر، وهنا يجب أن نقوم بتحسين مستوى معيشتنا وجعلها أكثر فائدة وسعادة، ولا يمكن أن نحقق ذلك بغير التوقف فورا عن «إقناع» أنفسنا، والآخرين، بأننا كبرنا، فليس هناك أسوأ من الاقتناع بهذا الأمر. ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتصرف كالأطفال أو الشباب، بل أن نستمر في العيش كأننا في مقتبل العمر، وأن نكون نشطاء، ونقبل على تعلم شيء جديد كل يوم، والتعرف على الغير والسفر. وقد قمت شخصيا، وبعد أن تجاوزت الستين بسنوات عدة، بسحب اعترافي بـ«الكبر»، وسرعان ما لمست الفرق، حيث أصبحت أكثر قدرة على القيام بأمور لم أكن أتخيل أن بإمكاني القيام بها من قبل، حيث أصبحت أقطع في اليوم الواحد ما يقارب الـ11كم سيرا، وهذا ما لم يكن باستطاعتي القيام به قبل 20 عاما، وربما أكثر. كما يجب أن نهتم بصحتنا، إن أردنا منها أن تهتم بنا، فالموت غالبا لا يأتي فجأة، بل بتدرّج، والمرحلة السابقة للموت هي الأصعب، إن كنا من قليلي الاهتمام بصحتنا، حيث إن انعدام الرياضة في حياتنا، والسمنة المفرطة، وقلة الحركة، وعدم تناول الجيد من الطعام، سيكون له تأثير سلبي رهيب في السنوات القليلة السابقة للوفاة. كما أن الحياة المادية التي نعيشها، سواء أردنا أم لم نرد، تفرض علينا الاهتمام بتنمية ما نمتلك من مال، ليس بتكديسه، بل بتجنب السفاهة في صرفه بحجة أن الدنيا زائلة! وبالتالي يجب الصرف بحكمة على الجيد من الطعام والشراب، وأن نستخدم المال في كسب الأصدقاء والتمتع بنوم سليم، وبدرجة معقولة من النظافة، وكل هذه الأمور تحتاج للمال، حتى الاحتفاظ بعلاقات عائلية سليمة يتطلب الشيء ذاته، هذا غير ما يتطلبه العلاج والدواء. كما من الضروري لصحتنا النفسية نسيان أحقادنا وعداواتنا! ولفت نظري ما كتبه النائب نبيل الفضل من أن بينه وبين الصديق الآخر سامي النصف خلافا قديما، ولكنه نسي سببه. وقد ذكّرني ذلك بنفسي وبمن أختلف معهم، وحاولت أن أتذكر الإساءة أو الخطأ الذي اقترفه هؤلاء بحقي، والذي دفعني لمعاداتهم فلم أتذكر شيئا، فقمت بالاتصال باثنين منهم، مباركا وسائلا عن صحتهما! وأخيرا يجب أن ننسى فكرة الموت، فهو آت، فلمَ الانشغال به؟ فالبعض يكرهون الصيف ويحبون الفصل المعاكس له، وآخرون يكرهون الشتاء ويتجنبونه، وينتظرون الصيف بفارغ الصبر، ولو انشغل كل طرف بالشكوى مما سيأتي به الفصل التالي، فلن يهنأ بالفصل الذي هو فيه.