القبانجي مفكر العراق
أثار خبر اعتقال مخابرات إيران للمفكر العراقي المعمَّم السيد أحمد حسن القبانجي عاصفة من الاستنكار في عدة أوساط لما للرجل من مكانة كبيرة في قلوب محبيه، ولما يعنيه اعتقاله في دولة لا تؤمن بالتسامح ولا بحرية الرأي لمواطنيها، فكيف بغيرهم. يعتبر القبانجي مفكرا دينيا وصاحب مؤلفات عدة في هذا المجال، ولد في النجف ودرس الفقه الإسلامي الشيعي في حوزتها عام 1974، ولكنه غادر العراق عام 1979 هربا من حكم صدام، واستقر في إيران حيث أكمل دراسته في قم، وعاد للعراق في 2008 ليتعاون سياسيا مع المفكر والمعمّم الآخر إياد جمال الدين! وقد تبين من مكالمة أجراها صديق مع مكتبه في العراق ان السلطات الإيرانية ألقت القبض عليه، بعد عودة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القاهرة، حيث اشتكى له الإخوان من خطورة الفكر الذي يروّج له القبانجي، وانه ينتحل شخصية غير حقيقية، لكي يحمي نفسه من الاعتقال! سعى القبانجي في كتاباته وخطبه المنتشرة على «اليوتيوب» لصياغة إسلام مدني ينسجم مع حقوق الإنسان. كما دعا لرفض التمسّك الحرفي بالنصوص لكي يمكن مواكبة التقدم المعرفي للإنسان، وأن البقاء ضمن التفسيرات الحالية سيساهم في تأخر المسلمين! يصف البعض أفكار القبانجي بالعقلانية والانفتاح والتجديد وكمحاولة لإخراج الدين من أسر التفسيرات التقليدية، التي أدت لتشجيع التطرّف واللاتسامح. ولكن آخرين يرون أنه يهدف إلى العكس، ومن هؤلاء أسرته، وشقيقه الأكبر القيادي في تجمّع ديني كبير في العراق! علما بأن السيد أحمد، مع «ليبراليته» لا يزال مصراً على مخالفتها في أكثر من تصرف وقول، كما أنه يعترض على مبدأ ولاية الفقيه. وبالرغم من أن القبانجي وضع العديد من المؤلفات والتراجم، فإن أحاديثه وخطبه المسجلة على «اليوتيوب» تعطي فكرة أفضل عن حقيقة تفكيره الحديث، المخالف لما سبقه. ويقول الزميل العراقي عدنان حسين عن اعتقال القبانجي إنه ليس الأول، ولن يكون الأخير، فتاريخنا العربي الإسلامي، كما تاريخ أوروبا وأمم أخرى في عصورها المظلمة، حافل باضطهاد العلماء والمفكرين والأحرار، والآن ينضم القبانجي إلى كوكبة مفكري الأمة، الذين صادفوا العنت والطغيان في حياتهم، وأعيد الاعتبار إليهم بعد مماتهم، الذي تم في الغالب بشناعة! أما الزميل العراقي الآخر علي حسين فيقول إن محاضراته ومداخلاته الجريئة وصراحته التي لا حدود لها، هي التي فتحت باب جهنم عليه، إضافة لما قام به من تحليل دقيق لفترات حرجه من تاريخ الإسلام التي دائما ما كانت تغلف بخطب صاخبة، وهذا دفع البعض لاتهامه بالكفر، وتقف أحزاب دينية وراء هذا الاتهام، فهي لا تتحمّل الخوض في التاريخ! وإن القبانجي امتداد لمفكرين أحرار سعوا إلى بث المعرفة العقلية بين صفوف الناس.. ويقول فيه الزميل جعفر رجب: هل خلت السجون في طهران، حتى يملؤوها بالمفكر أحمد القبانجي؟ لا شك لم تخلُ السجون، وما زال سجن ايفين يستقبل، ولكنها محاولة منهم لتثقيف السجناء، فالسجن هو المدرسة الوحيدة التي تعلم الأنظمة القمعية. القبانجي مفكر حمل همه وتحدّث بصدق بكل ما يؤمن به، نتفق معه حينا ونختلف أحياناً، لكنه لم يحمل يوما السلاح ليقتل، ولم يحرّض على القتل والتفجير والانتحار، ولم يوزع الخرافات على الناس ليوصّلهم إلى الهلاك، ولم يدخل الشباب أفواجا إلى الموت ليحصل هو على نعيم الدنيا، ولم يسرق الناس قوتهم باسم الدين، ولم ينافق الناس في أفكاره.