المخدرات والفريق غازي
بسبب منع تناول المشروبات الروحية، وارتفاع مستوى معيشة الفرد نتيجة الزيادة غير المعقولة في رواتب موظفي الدولة، وحالة الكبت والفراغ التي تلف البلاد، فبالتالي لم يكن غريبا انتشار المخدرات وزيادة ضحاياها يوما عن يوم، هذا بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة العامة لمكافحة تعاطيها وإدارة الجمارك، إلا أن تجار ومهربي هذه السموم، وفي كل العالم، يسبقون رجال الأمن بخطوة، وبالتالي ينحصر طموح أي جهاز مكافحة في تقليل شرورهم، وليس القضاء عليهم، وهذا يمكن أن يتم من خلال تطوير ورفع مستوى خبرة العاملين في مكافحة المخدرات، وتوعية الفئة المستهدفة من خطر الوقوع في فخ هذه السموم! ولكن الواقع يختلف عن التنظير، فما يتم رصده لجهود المكافحة شيء لا يذكر، مقارنة بإمكانات الدولة. كما أن أنشطة المكافحة وتدريب افرادها غالبا ما تكون بجهود محلية فردية، ولا أعتقد أن لهم نشاطا أو علاقات بالمسؤولين الأمنيين في الدول العريقة في المكافحة، أو التي تجلب منها المخدرات، وهي معروفة. كما أن سبل الوقاية الاجتماعية والتعليمية من هذه السموم شبه غائبة، فغالبية «المربين» التقليديين يفضلون عدم التطرق للمخدرات في المناهج، لتجنب لفت النظر إليها، وهؤلاء لا يزالون يعيشون في غير زمنهم! ولا أزال أذكر ما اخبرني به مسؤول قبل أكثر من 30 سنة من أنهم اكتشفوا بطريق المصادفة أنه كلما أغلقت الحدود بين الكويت والعراق، لسبب او لآخر، كانت اسعار المخدرات تقفز لأرقام خيالية، وهذا كشف أن ما يدخل البلاد من مخدرات بالطرق الرسمية أكبر مما يردها من الطرق الأخرى! وأعتقد أن الوضع لا يزال كما هو. كما لفت مسؤول آخر نظري إلى أن غالبية المهربين الذين يقبض عليهم هم عادة من الشباب قليلي التجربة والباحثين عن الثراء السريع، ومنهم من لم يسمع بما سيتعرضون له من احكام مميتة في حال القبض عليهم! وهذا يبين قصورا في توعية القادمين للكويت من دول محددة، فلو عرف بعض المهربين ما ينتظرهم من عقاب لما هربوها، أو لربما تخلصوا منها في الطريق!
***
وفي سابقة شجاعة شن وكيل وزارة الداخلية الفريق غازي العمر هجوما على من اسماهم منتقدي الوزارة! والقول إن مشكلة هؤلاء انهم ينطلقون في هجومهم من نظريات، وكأن وزارة الداخلية مسؤولة عن كل ما يحدث في البلاد، متناسين ان الوزارة تقوم بمهام تزيد بنسبة %60 تقريبا عما تقوم به الشرطة في الدول المتحضرة! وأضاف في تعقيب على مداخلة في ندوة خاصة أن وزارة الداخلية في الكويت طلب منها، اضافة الى دورها الأمني، القيام بحماية المنشآت الرياضية والمجمعات التجارية! كما طالت اتهاماته جهات حكومية تساهم في انتشار الجريمة، فبيوت جليب الشيوخ التي استملكتها الدولة منذ سنوات لا تزال بعهدة ملاكها السابقين الذين يقومون (في دولة كويتي وأفتخر) بتأجيرها على عشرات آلاف العمال العزاب! ووصف ذلك بالتقاعس الحكومي الذي ادى لانتشار الجريمة. وقال إنه لا يتنصل من مسؤولياته وواجباته، ولكن من الظلم تحميل وزارة الداخلية كل شيء. كما انتقد العمر نقص الامكانات، وكيف أن غالبية مباني الوزارة الداخلية مؤجرة من الغير!
والآن ألا يكفي كلام هذا المسؤول الأمني الكبير، لأن يجعلنا جميعا نشعر بالخجل؟ فكيف يمكن قبول أن دولة بكل هذا الثراء وكل البطالة السافرة والمقنعة بين شبابنا، حيث بلغ العدد الرسمي للباحثين عن عمل 22 ألف مواطن، ومع هذا يشكو أكبر مسؤول امني من مثل هذه العلل؟ ألا يدعو هذا حقا للرثاء؟